أن يُفسَّرَ عُبّر عنه بالإرادة، وكل هذه المعاني ـ أعني الترجِّيَ، والإرادة، والمعنى الأصليَّ، والمعنى المراد ـ مفرداتٌ فلا يكون المشبَّه به ولا المشبَّه في هذا التشبيهِ لا أصالةً ولا تبعًا بمركَّب منتزعٍ من عِدَّة أمورٍ، فلا تكون استعارةُ (لعل) حينئذ تمثيليةً بما مرَّ من حصرِ التمثيليةِ فيما ينتزع كلُّ واحد من طرفيه من أمور متعددةٍ.
نعم لما كان استعارةُ (لعل) من معناها الحقيقيِّ المفسَّرِ بالترجي لمعناها المجازي، المفسَّرِ بإرادة الله للأفعال الاختياريةِ للعباد مبنيةً على أصول المعتزلة أودَها. وأطنبَ فيها بما هو بسطٌ لكلام الكشافِ، ثم صرَّح بالمقصود مقتفيًا له أيضًا فقال: فشبَّه حالَ المكلَّف المتمكنِ من فعل الطاعةِ والمعصيةِ مع الإرادةِ منه أن يطيعَ باختياره بحال المرتجي المخيَّرِ بين أن يفعلَ وأن لا يفعلَ، وكان الظاهرُ أن يقول: فشبَّه حالَ اللهِ الممكنِ بحالِ المرتجي، لأنه أراد بالحالِ الذي هو المشبه به المعنى الحقيقيَّ الذي يعبَّر عنه بالترجِّي، وهو حال قائمٌ بالمرتجي، متعلِّق بالمترجي.
وأراد بالحال الذي هو المشبَّه المعنى المجازي الذي يعبَّر عنه بإرادة الله تعالى، وهو حال قائم بالله تعالى، متعلِّق بالمكلف. والأولى بالحال أن يُضافَ إلى ما قام به. لكن عدلَ عن ذلك وأضافَه إلى المتعلَّق لفائدتينِ:
الأولى: رعايةُ الأدب في ترك التصريحِ بتشبيهِ حال اللهِ تعالى بحال المرتجى.
والثانية: الإشارة إلى وجه الشَّبهِ بين الترجِّي، وتلك الإرادة، فإن المشابهةَ بينهما إنما هي في أن متعلِّقَ كلِّ منها يتمثَّل بين إقدام وإحجامٍ، فقوله: مع الإرادة لله أن يطيعَ متعلِّق بالمتمكِّن لا بقوله: فتُشَبَّهُ ليؤذنَ بتركيبٍ في المشبَّه، وهذه صفتُه أعني المتمكَّن مع ما في حيِّزها تنبيهٌ على وجه الشَّبهِ في جانب المشبَّه، فكذلك قوله [٢٠]: المخيَّر بين أن يفعلَ وأن لا يفعلَ تنبيهٌ عليه في جانب المشبَّه به، ولم يُقْصَدْ بشيء منهما تركيبٌ في أحد