للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطرفين، وانتزاعُهُ من متعدد، وحينئذ قد اضمحلَّ ذلك الخيالُ، واتضح المستقيمُ من المحالِ، وإن شئت زيادةَ توضيحٍ في المقال فاعلم أن قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وأمثالَهُ يحتمل الوجوهَ الثلاثة على قياس ما تقدم.

أما التبعيةُ فقد كشفنا عنها غطاءها فأنت بها خبيرٌ، وأما التمثيليةُ فإن تشبيهَ الهيئة المركبةِ المنتزعةِ من المريدِ والمراد منه، والإرادة بالهيئة المركبة المنتزعة من المرتجى والترجي، فيكون المستعارُ مجموع الألفاظ الدالةِ على الهيئةِ المشبَّهِ بها.

وقد سبق في تحقيقها ما هو كافٍ وشافٍ لمن ألقى السَّمع وهو شهيدٌ. وأما الاستعارةُ بالكناية فبصرُك اليوم فيها حديدٌ، وهي إن كانت هي المختارةَ عند السكاكي حيث ردَّ التبعيةُ إليها مطلقًا فقد ردَّ عليه ذلك صاحب الكشاف بما لم يسبقْه به أحدٌ، وما عليه من مزيد. وسيرد عليك هذا المعنى غيرَ بعيد.

أقول: هاهنا حصحصَ الحقُّ، واتَّضح الصوابُ، وارتفع الحجابُ، فإنه قد نقل عن السكاكي في كلامه هذا أنه صرَّح بأن المشبَّه به والمستعارَ منه أصالةً هو معنى الترجِّي، وهذا متعلِّقُ معنى الحرف ـ أعني (لعل) ـ بلا شك ولا شبهةٍ، فهو بالنسبة إلى (على) الذي هو محلُّ النزاعِ.

ثم نقلَ عنه في هذا الكلامِ الذي كتبناه أنَّه بين معنى الاستعارةِ فقال: شُبِّهَ حالُ المكلَّفِ المتمكِّن من فعل الطاعةِ والمعصية مع الإرادة منه أن يطيعَ باختياره بحالِ المرتجي المخيَّر بين أن يفعلَ وأن لا يفعلَ، فهذا تصريحٌ أوضحُ من الشمس بأن هذه الاستعارةَ تمثيليةٌ، فلم يبق شكٌّ بعد ذكره لتشبيه الحالِ بالحال مع تفسيرِ كلِّ منهما بمتعدِّدٍ بأن هذه استعارةٌ تمثيليةٌ، ثم أخذ في تحريف هذا الكلامِ وإخراجِه عن معناهُ بما لا ينبغي التعرُّضُ لِدَفْعِ، بل يكفي تفويضُه إلى نظر المنصفِ العارفِ بمواقعِ الكلامِ، وأساليبِ المباحثةِ، وآداب المناظرةِ، فإنه عند من كان كذلك غنيٌّ عن البيان والله المستعان.

فأنت ـ أيها الناظر ـ إن كنت لا تقتدي بالرجال، ولا تتقيدُ بالنظر إلى من قال،