فقد حللنا عنك عِقَالَ الإشكال [٢١]، وإن كنت على غير هذه الصفةِ فانظر أين يقع المحققُ الشريف من العلامة صاحبِ الكشافِ، والعلامةِ السكاكي، وأتباعِهما! كالفاضل اليمني، والسعد في خصوص مسألةِ النزاعِ، ثم في هذه المسألة المماثلةِ لها ـ أعني الاستعارة في (لعل) ـ وأما تجويزه في (لعل) ما جوَّزه في (على) من الوجوه الثلاثة فجوابُه مثلُ ما تقدم، وحاصلُه أن يقال له: قد سلَّمتَ جوازَ التبعيةِ والتمثيليةِ في كلامك هذا، وادَّعيتَ أنَّهما لا يجتمعانِ، ونحن نمنع ذلك. ثم ادَّعيتَ أن التمثيليةَ هاهنا لها ألفاظٌ محذوفةٌ، والحذف خلافُ الأصلِ فما دليلكِ عليه؟
قال: ونحن نوضِّح لك الحالَ في بعض صور الأمثالِ، ليكون ذلك مثالاً تحتذيهِ، ومنارًا تنتحيهِ، فنقول:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} إنْ جُعِلَ المشبَّه به فيه المعنى المصدريُّ الحقيقي للختْمِ والمشبَّه إحداثُ حالةٍ في قلوبِهم، مانعةً من نفوذ الحق فيها كان طرفا التشبيهِ مفردينِ، والاستعارةُ تبعيةً، وهو الوجه الأول في الكشاف، وإن جُعِلَ المشبَّه به هيئةً مركَّبة منتزعةً من الشيء، والختْمُ الواردُ عليه ومنعَه صاحبُه من الانتفاعِ به، والمشبَّه هيئةٌ مركَّبة منتزعةً من القلبِ، والحالةُ الحالّة فيه، ومنعَها صاحبُه الاستنفاعَ في الأمور الدينيةِ كان طرفا التشبيهِ مركبينِ، والاستعارةُ التمثيليةُ قد اقتصرَ فيها ألفاظ المشبَّه به على ما معناه عدَّةُ أمورٍ في تصوير تلك الهيئةِ واعتبارِها، وباقي الألفاظ منويةٌ مرادةٌ، وإن لم تكن مقدَّرةً في نظم الكلام، وليس هناك استعارةٌ تبعية أصلاً على ما تقرر فيما سبق، وهو الوجه الثاني في الكشافِ، فالفائدة في الاقتصار على بعض الألفاظ الاختلافُ: في العبارةِ، وتكثير محتملاتِها بأن تُحْمَلَ تارةً على التبعيةِ، وأخرى على التمثيلِ، ولو صرَّح بالكلِّ تعيَّنتِ التمثيليةُ إلى غير ذلك من الفوائدِ التي ربما لاحتْ لك في مواردها إذا فكرتَ فيها، وإن قصدَ في الآية إلى تشبيهِ قلوبِهم بأشياء مختومةً، وجعلَ ذلك الختْمَ الذي هو من روادف المستعارِ المسكوتِ عنه تنبيهًا عليه، ورمزَ إليه كان من قبيل الاستعارةِ بالكنايةِ، والله المستعان في البداية والنهاية.