للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التشنيع والتبشيع على الطائفة الأخرى ما تقشعر منه الجلود، فترى كل فرقة تسمي ما تشبثت به في نصرة مذهبها- وإن كان في غاية من الضعف- بالدليل والحجة والواضح والصريح والقطعي والمحكم وتطلق على متشبث الأخرى، وإن كان في غاية القوة اسم الشبهة والمتشابه والخفي ونحو ذلك، وتبالغ في كتم الناهض وإهماله وتستكثر من ذكر المردود وأمثاله محبة للغلب والانتصار للأسلاف، بل ربما أفضى ذلك إلى ما هو أطعم من ذلك وأطعم، ولا أحب التصريح بأنه الافتراء على بعضهم بعضا، وقل من ينجو من هذه البلية التي هي أقبح التغرير والتلبيس على المقصرين، لإيقاعهم (١) في المضايق ولا حط الله علما يكون هذا نتيجته. ولعمري أن الجهل أسلم منه فإن ثمرة العلم النافعة بعد الاهتداء به- الهداية إليه لا الترويج للبدع والمصائب التي لا يفلح من علقت به ولا سيما إن كان من المقصرين المغرورين، ولهذا ترى عندهم من العداوة ما لم تجده عند المحقق [١٦] والسر في ذلك أن المقصر المقتصر إذا عثر على كتب قومه الذي هو هم حسن الظن قطع بصحة ما فيها وجزم بأن الطائفة الأخرى لا متشبث لها في تلك المسألة إلا تلك الشبهة إلى ذكرها أسلافه فيكون ذلك من أعظم الأسباب الداعية إلى التبديع والتكفير، ثم انضم إلى هذا الترويج التنفير عن كتب الخصوم ورمي من رام العثور عليها بالابتداع. والبلعث على هذا الحذر من أن يعثر المطلع على كتب الخصم على حجة له قوية تخدش في وجه ما قرره له أسلافه، أو يقف على بطلان ما نسبوه إليه فيفتضحوا عنده.

وهذا السبب اتسع الخرق وعظم البلاء، فإياك إن كنت متبصرا أن ينفق عندك شيء من هذا الجنس فتزل بأول قدم، فإن ما دون هذه العداوة بكثير موجب لعدم قبول رواية بعضهم عن بعض وشهادته عليه، وقد صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم بعدم قبول شهادة أرباب الإحن على بعضهم بعضا كما في حديث: " لا تقبل شهادة ذي الظنه والإحنة " (٢) وهكذا ما


(١) في المخطوط [أ- ب] العطف بالواو (وإيقاعهم) والصواب ما أثبتناه.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٠١) من طريق الأعرج مركسي وأخرجه الحاكم (٤/ ٩٩) من حديت العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة يرفعه مثله