للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين من حاله كحال هاتين الطائفتين من الفرق الإسلامية فخذها كلية تنتفع ها انتفاعا جيدا، وعليك- إذا حاولت النظر- بأخذ مذهب كل طائفة ودليلها من كتبها كما فعلناه في هذه الرسالة والله المستعان.

أدلة المانعين من الرؤية

إذا عرفت هذا فنقول: استدل المانع من الرؤية بعد الاستدلال بالأدلة العقلية بقول الله عز وجل: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٣] وتقرير الاستدلال ها أن الإدراك المسند إلى الأبصار إنما هو الرؤية أو هما متلازمان، والآية نفت أن تراه الأبصار وذلك [١٧] بتناول جميع الأبصار بواسطة اللام الاستغراقية، والوقوع في سياق النفي في مقام المبالغة في جميع الأوقات، لأن قولك: فلان تدركه الأبصار لا يفيد عموم الأوقات فلا بد أن يفيده ما يقابله فلا يراه شيء من الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولأنه تعالى [بأنه لا يرى] (١)، لأنه ذكر في اثنان المدائح. وما كان من الصفات عدمه مدح كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله عنه، كالقدم ينفي الصاحبة والولد، فيكون انتفاء الرؤية كانتفائها بشهادة الذوق السليم من كل جزء سالم الفطرة، واعترض على هذا التقرير بوجوه (منها): أن الإدراك هو الإحاطة (٢) بجوانب المولى إذ هو في الأصل النيل والوصول البلوغ ثم نقل إلى الرؤية


= قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وخالفه الذنهي وقال على شرط البخاري قال الحافظ في التلخيص (٤/ ٢٠٤) وفي إسناده نظر.
* الإحنة: الحنة الذي بينك وبينة عداوة.
(١) هكذا في المخطوط والكلمة محرفة بلا شك أو مشكلة قراءتها وكأها (بائن لا يرى)
(٢) قال ابن القيم في حادي الأرواح (ص ٣٧٠): وأنة لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن الإدراك هو الاحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} [الشعراء: ٦١ - ٦٢] فلم ينف موسى- صلوات الله عليه نفى إدراكهم إياهم بموله: (كلا) وأخبر الله سبحانه أنة لا يخاف دركهم بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: ٧٧] الروية والإدراك كل منهما يوجد مع الأخر وبدونه، فالرب يرى، ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به وانظر الدر المنثور (٣/ ٣٧) الإبانة عن أصول الديانة (ص٣٠).