للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولنا تدركه الأبصار ثبت كذب قولنا يدركه بصر واحد أو بصران لعدم القائل بالفرق والفصل انتهى.

ولم يتعرض للقدح فيه بل قال إنا نقول. موجبه، وجاء. مما سبق من أن نفى الإدراك لا يستلزم نفط الرؤية قوله: وإلا عكسنا. أجيب بأنا لو سلمنا عدم العموم لكانت القضية قبل دخول حرف السلب موجبة جزئية فحصل بحرف السلب رفع الإيجاب الجزئي وهو سلب كلى فثبت المطلوب ولا نسلم ما ادعيته من الإهمال، ولو سلم لكان في قوة: لا يدرك بعض شيء من الأبصار، والبعض نكرة ني سياق النفي فيعم.

ومنها أن الإدراك غير موضوع بالحقيقة للرؤية أصلا لكنه قد يستعمل في رؤية الشيء المحدود على سبيل المجاز، وقد تقرر في أصول الفقه أنه لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بدون دليل إجماعا (١) فيجب حمل الإدراك على حقيقته التي هي اللحوق، فإذا قام الدليل [٢٠] على العدول إلى المجاز وجب أن يلاحظ المجاز الموافق حكمه حكم الحقيقة وهو الرؤية، مع بعد الاحاطة بجوانب المرئي وحدوده، فما لا جوانب لذاته ولا حد له يمتنع فيه ذلك بالضرورة، فيجب العدول عن هذا المجاز أيضًا والحمل على إبصار العقول وإدراكها كما مر.

وأجيب. منع اعتبار نعت الإحاطة في اللحوق، وأنه لو لم يوجد في اللغة أصلا كما سلف، وبمنع أن الإدراك مجاز في الرؤية، بل حقيقة لغوية أو عرفية كما سبق وإبصار العقول مجاز بلا خلاف فلا يصار إليه إذ لا بد في المجاز من غرض صحيح ونكتة مقتضية له وقرينة وعلاقة، وليس مهنا شيء من ذلك إلا ما غالطتم به وقد منعناه.

(ومنها) أن الآية (٢) محمولة على نفط الرؤية في الدنيا لا في الآخرة، جمعا بين الأدلة وذلك لأنها وإن عمت في الأشخاص على مدعاكم، فهي لا تعم في الأزمان لأنها سالبة


(١) انظر البحر المحيط (٢/ ٢٣١ - ٢٣٢) والكوكب المنير (١/ ١٩٦ - ١٩٨)
(٢) انظر حادي الأرواح لابن القيم (ص٣٧١).