للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{ما دمت السموات والأرض} (١) بجوابين: الأول: أن المراد حموات الآخرة وأرضها، قالوا: والدليل على أن في الآخرة حموات وأرضا قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (٢) [٢ب]، قوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} (٣)، وأيضا لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، وذلك هو الأرض والسماء (٤).

[و] (٥) الجواب الثاني: قالوا: إن العرب يعبرون عن الدوام والأبد بقولهم: ما دامت السماوات والأرض كما يقولون: ما اختلف الليل والنهار، فخاطب الله العرب ني هذه الآية على عرفهم، وبما تقتضيه لغتهم. قال الرازي (٦) مجيبا عن الجواب الأول: ولقائل أن يقول: التشبيه إنما يحسن ويجوز إذا كان حال المشبه به معلوما مقررا، فيشبه به غيره لثبوت الحكم في المشبه، ووجود السماوات والأرض في الآخرة غير معلوم، وبتقدير أن يكون وجودهما معلوما إلا أن بقاءها على وج لا يفئ البتة غير معلوم. فلذا كان أصل وجودهما مجهولا لأكثر الخلق، ودوامهما أيضًا مجهولا للأكثر كان تشبيه عقاب الأشقياء به في الدوام كلام عديم الفائدة: أقصى ما في الباب أن يقال: ثبت بالقرآن وجود حموات وأرض في الآخرة، وثبت دوامهما وجب الاعتراف به، وحينئذ يحصل التشبيه. إلا أنا نقول: لما كان الطريق في إثبات دوام حموات وأرضي في الآخرة هو السمع، ضم السمع دل على عقاب الكافر، فحينئذ الدليل الذي دل على ثبوت الأصل في الحكم حاصل معتبر في الفرع. وفي هذه الصورة أجمعوا على أن القياس ضائع، والتشبيه


(١) هود:١٠٧
(٢) إبراهيم: ٤٨
(٣) الزمر:٧٤
(٤) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القران" (٩/ ٩٩)
(٥) زيادة من [ب].
(٦) في التفسير الكبر (١٨/ ٦٤).