للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهم كلما اخرجوا (١) منها أعيدوا فيها، و {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} (٢)، وكلما استغاثوا (٣) أغيثوا بكذا مما ذكره الله، فإن هذه الآيات تدل على أفم لا يزالون كذلك، ولا ينفكون عن هذه الأمور التي أثبتها الله لهم، ولو فرض ما زعمه القائلون بأنهم يخرجون من النار، أو أنها تفئ عنهم لكانت هذه الأخبار غير مطابقة للواقع، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله.

وبالجملة فلا نطيل بذكر الأدلة الدائمة على هذا المعنى، فمن تدبر آيات الكتاب العزيز وجد فيها مما يفيد هذا المفاد، ويدل هذه الدلالة ما تتعسر الإحاطه به، والاستيفاء لجمعيه.

فإن قلت: إذا كان الأمر هكذا فما هو تأويل المرضي لديك لما في آية الأنعام (٤) وآية هود (٥). قلت: أقرب التأويلات وأظهرها وأحسنها أن يكون ما قبل الاستثناء في الآيتين المذكورتين شاملا لكل من يعذب بالنار من جاحد، وموحد ممن استحق دخول النار، وحقت عليه كلمة العذاب. ولا ينافي هذا التعميم كونهما في سياق الكفار، فقد يأتي بعض ما يكون في نمط خاص وأمر معين عاما [٩ب] لذلك البعض وغيره، شاملا- المعين وما يناسبه. وهذا كثير في الكتاب العزيز، وشائع في لسان العرب. ولهذا كان الاعتبار بعموم الألفاظ (٦) هود:١١٤ (٧) لا بخصوص الأسباب، كما هو مقر ر في مواطنه. وقد ثبت


(١) قال سبحانه وتعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: ٢٢]. وقال سبحانه وتعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ٢٠]
(٢) النساء:٥٦
(٣) قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:٢٩]
(٤) [١٢٨]
(٥) [١٠٥ - ١٠٨]
(٦) العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويريدون هذه العبارة، أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة. لعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام، وليست العبرة بالأسباب إلى دعت إلى مجيء هذه النصوص.
فهذا جاء النص بصيغة عامة لزم العمل بعمومه، دون الالتمات إلى السبب الذي جاء النص العام من أجله سؤالا كان هذا السب أو واقعة حدثت لأر مجيء بصيغة العموم، يعني أد الشارع أراد أن يكون حكمه عاما لا خاصا بسببه، وهذا مذهب الحنابلة والحنفية وغيرهم.
ودليلهم على دلك الحديث الصحيح عن ابن مسعود صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن رجلا أصاب من امرأة قبلة "، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له. فأنزلت عليه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
(٧) قال الرجل: ألي هذه؟ قال: " لمن عمل ها من أمتي "