للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول ههنا الضمير المتصل به، والثاني منازل، ولكنه لما كان إيقاع التقدير على القمر غير صحيح باعتبار الحقيقة، لأن المقدر منازل ليس هو جرمه بل مسيره، كما هو المشاهد المحسوس كان التأويل الذي تتوقف صحة معنى الإيقاع عليه لازما، فجعله مضافًا محذوفا إلى الضمير المذكور، وهو المسير. وله أشباه ونظائر في القران وغيره لا يحيط بها الحصر. وهذا التأويل والتقدير هو في جانب المفعول الأول، ثم ذكر وجها آخر، وهو التأويل والتقدير في جانب المفعول الثاني فقال: أو قدره ذا منازل، وحاصله تجويز وقوع التقدير على القمر باعتبار كونه ذا منازل، لا باعتبار أنه منازل في نفسه، فيكون التقدير على هذا مضمنا معنى التصيير، وكلا الوجهين قد تضمنا أن المنازل المقدرة هي في أمر خارج عن جرم القمر، بل في عرض من أعراضه، وهو مسيره، فكان إيقاع التقدير المذكور على مسيره، أو عليه لا باعتبار ذاته، بل باعتبار أنه صار ذا منازل صحيحا، والكل من مجاز الحذف (١) إما من المسند إليه أو من المسند قبل دخول الفعل، أو من المفعول الأول أو الثاني بعد دخوله. والخلاف بين أهل البيان في هذا المجاز إنما هو باعتبار الاسم لا باعتبار الحقيقة.

إذا تقرر هذا فكلا التأويلين ليس فيه إخراج للفعل عن أصله المعتبر عند علماء النحو، وهو مباشرته لمفعوليه بدون واسطة، وتعديه إليهما بنفسه، بخلاف جعله متعديا إلى الثاني بواسطة الخافض المنزوع (٢)، وهو الباء. أو في كما ذكره السائل- دامت إفادته- فهو وإن كان صحيحا مصححا للمعنى، مزيلا للإشكال ففيه إخراج للفعل المتعدي إلى مفعولين بنفسه عن كونه كذلك، وجعله قاصرا بدون ملجي، فمن هذه الحيثية اختالي العلامة الزنحشري (٣) في الكشاف ما اختاره من تقدير حذف المضاف إلى


(١) انظر " معترك الأقران " (١/ ٢٣١ - ٢٣٢).
(٢) تقدم آنفا.
(٣) في الكشاف (٣/ ١١٥).