البيت إلا حصير، وهو جالس وفي يده مصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه، ومطهرة يتوضأ منها، فبينما أنا جالس إذ دق الباب، فقال حماد: يا حبيبة! اخرجي فانظري من هذا؟ فقالت: رسول محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة، فأذن له فدخل، فقال بعد أن سلم: أما بعد، فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته، وقعت مسألة، فأتنا نسألك عنها والسلام، فقال: يا حبيبة! هلم الدواة، ثم قال لي: اقلب كتابه واكتب: أما بعد، فأنت صبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته، إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحداً، فإن وقعت لك مسألة فأتنا وسل ما بدا لك، فإن أتيتني فلا تأتني بخيلك ورجالك، فلا أنصح لك ولا أنصح إلا نفسي، والسلام.
فبينما أنا جالس إذ دق الباب، فقال: يا حبيبة! اخرجي فانظري من هذا؟ قالت: محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل وحده، فدخل وجلس بين يديه ثم ابتدأ فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت منك رعباً؟
قال حماد: حدثني ثابت البناني قال: سمعت أنساً يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء». فقال: ما تقول رحمك الله في رجل له ابنان وهو عن أحدهما أرضى، فأراد أن يجعل له في حياته ثلثي ماله؟ فقال حماد: لا يفعل رحمك الله، فإني سمعت أنساً يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إذا أراد الله أن يعذب عبداً من عباده في حياته وفقه إلى وصية جائرة» فعرض عليه مالاً فلم يقبل وخرج.