للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكفه؟ فسكت، ثم قلت: ستين ألفاً؟ فسكت، فقلت: مائة ألف؟ فقال: حينئذ يعرف شيئاً. قال أحمد بن منيع: فنظرنا فإذا أحمد كتب ثلاثمائة ألف (١).

رحم الله الإمام أحمد فقد أتعب من بعده. وبقياس إمام أهل السنة في زماننا هذا لا نرى أحداً يعرف شيئاً! ! .

لما كتب عبد الله العمري العابد إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، كتب إليه الإمام مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد. فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر (٢).

قال النووي: فهذه أحرف من أطراف ما جاء في ترجيح الاشتغال بالعلم على العبادة، وجاء عن جماعات من السلف ممن لم أذكره نحو ما ذكرته، والحاصل أنهم متفقون على أن الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بنوافل الصوم والصلاة والتسبيح ونحو ذلك من نوافل

عبادات البدن، ومن دلائله سوى ما سبق أن نفع العلم يعم

صاحبه والمسلمين، والنوافل المذكورة مختصة به، ولأن العلماء

ورثة الأنبياء ولا يوصف المتعبدون بذلك، ولأن العابد تابع للعالم، مقتد به، مقلد له في عباداته وغيرها، واجب عليه طاعته، ولا ينعكس،


(١) مناقب الإمام أحمد ص ٢٨.
(٢) السير ٨/ ١١٤.

<<  <   >  >>