للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو العباس البكري: جمعت الرحلة في طلب العلم بين محمد بن جرير الطبري ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني، فنفدت نفقتهم وافتقروا واشتد عليهم الجوع، فاتفقوا على أن يقدموا واحداً منهم ليدعوا الله أن يفرج عنهم، وييسر لهم طعاماً، والبقية يؤمنون، فكل واحد منهم اعتذر وقال: لست لذلك بأهل، احتقاراً منهم لأنفسهم، فاقترعوا فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لهم: أمهلوني حتى أصلي ركعتين وبعدها أدعوا لكم، فتوضأ وشرع في الصلاة، فبينا هو في صلاته لم يفرغ منها إذ طرق الباب، ففتح أحدهم فإذا عبد مملوك لوالي مصر يقول: أيكم محمد بن نصر المروزي؟ قالوا: هذا، وأشاروا إليه، فأخرج صرة فيها خمسين ديناراً، وفعل نفس الشيء مع محمد بن جرير ومحمد بن هارون ومحمد بن خزيمة ثم قال: إن الأمير كان قائلاً بالأمس فرأى في المنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول له أدرك المحمدين الأربعة؛ فإنهم جياع في مكان كذا وكذا، ثم قال هذا المملوك: وإن الأمير يقسم عليكم إذا نفذ هذا المال أن تبعثوا إليه ليرسل لكم بمال آخر (١).

وعن علي رضي الله عنه قال: العلم خير من المال، المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تفنيه النفقة والعلم يزكو مع الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة (٢).


(١) تذكرة الحفاظ ٢/ ٧٥٣.
(٢) جامع بيان العلم وفضله ١/ ٥٧.

<<  <   >  >>