للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبينا أنت كذلك وقد انشب الخصماء فيك مخالبهم وأحكموا في تلابيبك أيديهم وأنت مبهوت متحير من كثرتهم، حتى لم يبق في عمرك أحد عاملته على درهم أو جالسته في مجلس إلا وقد استحق عليك مظلمة بغيبة أو خيانة أو نظر بعين استحقار، وقد ضعفت عن مقاومتهم ومددت عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك لعله يخلصك من أيديهم إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: ١٧] فعند ذلك ينخلع قلبك من الهيبة وتوقن نفسك بالبوار، وتتذكر ما أنذرك الله تعالى على لسان رسول حيث قال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وَأَنْذِرِ النَّاسَ} [إبراهيم: ٤٢ - ٤٤].

فما أشد فرحك اليوم يتمضمضك الناس ومناولك أموالهم وما أشد حسراتك في ذلك اليوم إذا وقف ربك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السياسة وأنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقا أو تظهر عذرا؟ فعند لك تؤخذ حسناتك التي تعبت فيها عمرك وتنقل إلى خصماؤك عوضا عن حقوقهم، قال أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تدرون من المفلس" قلنا المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له، ولا دينار ولا متاع قال: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد

<<  <   >  >>