وحدث أن كسفت الشمس يوم وفاة إبراهيم ووجد بعض الناس في ذلك معجزة فقال قائلهم: لقد انكسفت الشمس لموت إبراهيم مشاركة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في مشاعره وأحاسيسه، لكن هذه المقولة التي رددها بعض الناس نبهت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يكن لينسى رسالته أبدًا وأمانته عليها ولو في أحلك الساعات وأشدها حرجًا وأدق المواقف وأصعبها .. فقال - صلى الله عليه وسلم - للناس:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان ولا تكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله بالصلاة ... ».
فأعظم به من جلد وأعظم به من صبر وأعظم به من نبي أمين - صلوات ربي وسلامه عليه -.
[مارية المؤمنة الصابرة]
عاد النبي إلى دار مارية مواسيًا ومعزيًا ولم يكن - عليه الصلاة والسلام - ليغفلها أو يتجاهلها بعد أن فقدت ولدها إذ كان يتردد عليها كعادته السابقة وسلمت مارية المؤمنة أمرها إلى الله - تعالى -.
فهو الذي أعطى وهو الذي أخذ وكل شيء عنده - سبحانه - بمقدار ولم تكن - رضي الله عنها - لتملك أن ترد دموعها الصامتة كلما لاحت ذكري إبراهيم في نفسها.
ولم تحمل بعد إبراهيم ولم تضع، وكانت حياتها في سعادتها وشقائها بلاءً وامتحانًا وأثبتت خلالها أنها من المسلمات المؤمنات الصادقات اللاتي يقتدى بهن ويحتذى بسلوكهن وينسج على منوالهن.