للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين! (١) واختصم الفريقان فأصلح النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم.

فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق ولم يكفر النبي -صلى الله عليه وسلم- لا هذا ولا هذا، بل شهد للجميع بالجنة، وكذلك ثبت في "الصحيحين" عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعدما قال: لا إله إلا الله، وعظم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لما أخبره، وقال " يا أسامة! أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ " وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ (٢) ومع هذا لم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة؛ لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا.

فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوه، وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (٣) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض أخوة مؤمنون، وأمر بالتصالح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين، ولا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون،


(١) انظر: "صحيح البخاري" (٢٦٦١) ومسلم (٢٧٧٠) من حديث عائشة.
(٢) رواه" البخاري (٤٢٦٩). ومسلم (٩٦) من حديث أسامة ابن زيد.
(٣) سورة الحجرات، الآية (٩).

<<  <   >  >>