فلا بد من قرينة لفظية، أو خالية تعين المراد، فإذا قال: ملكتك بضع أمتي بكذا فهو نكاح، فيشترط له شروط النكاح، وإذا قال: ملكتك منافعها شهرا بكذا فهو إجارة، وإذا أطلق فهو عارية، وإذا قال: ملكتكها بكذا فهو بيع، وإذا قال: ملكتكها بعد موتي فهو وصية، وإذا قال: ملكتكها الآن بلا عوض فهو هبة، ولا بد في كل واحد منها من شروطه؛ لترتيب الأحكام عليه، ولم نر أحدا من الفقهاء استعمل لفظ التمليك في معنى خاص، بحيث إذا أطلق انصرف إليه، أو بحيث يكون له أحكام خارجة عن أحكام العقود المذكورة ونحوها.
فإذا قال: ملكتك رقبة هذه الدار، وأراد إنشاء التمليك في الحال على معنى خارج عن البيع أو الهبة أو نحوهما لا يصح التمليك، بل إن أراد البيع فلا بد من ذكر الثمن، وإن أراد الهبة فلا بد من التسليم، ولذا قال في آخر جامع الفصولين: إنه لو قال: ملكه تمليكا صحيحا، ولم يذكر أنه بعوض أو بدونه لا تصح الدعوى.
ونقله أيضا في محاضر الخيرية، وبه أفتى في الحامدية، نعم غلب استعمال لفظ التمليك في عرف أهل زماننا في الهبة، فإذا أطلق ولم توجد قرينة صارفة له عن الهبة حمل عليها بقرينة العرف، فحيث أريد به الهبة فلا بد من شروطها، ولا تتم بدون تسليم.
وعليه يحمل ما نقلتموه عن الخيرية والتمرتاشية والرحيمية، وما نقلتموه عن السيد الحموي: من أن التمليك غير الهبة، فذاك بالنظر إلى أصل الوضع إذ لا شك أن التمليك أعم من لفظ الهبة، والأعم غير الأخص، ومن ادعى أن التمليك يفيد الملك من غير أن يكون بيعا ولا هبة مثلا، فلا بد له من نقل صريح، ولم نر من ذكره، ومن عثر عليه في كلامهم، فليفده لنا وله الأجر الجزيل. هذا غاية ما وصل إليه فهم هذا الحقير الذليل، وفوق كل ذي علم عليم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
(وسئلت في محرم الحرام سنة أربعين ومائتين وألف): في رجل طلق زوجته المدخول بها ثلاثا في الحيض، بأن قال لها: روحي طالقة ثلاثا، فهل لا يقع غير طلقة واحدة، كما نص على ذلك العلامة ابن كمال باشا في فتاواه، نقلا عن كتاب السير، وكمال الفقهاء؟ أم يقع عليه الطلاق الثلاث؟ وإذا قلتم: إنه لا يقع عليه إلا واحدة، أفتكون رجعية أم بائنة؟ أفيدوا الجواب، ولكم الثواب من الملك الوهاب.
(فأجبت): بما صورته الحمد لله تعالى، يقع عليه الطلاق الثلاث، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، كما نطق به القرآن الكريم من غير تفرقة بين كونها حائضا أو غيرها، ودلت عليه الأخبار والآثار، وصرحت به كتب مذاهب الأئمة الأربعة الأخيار، وانعقد عليه الإجماع بعد صدر من الصدر الأول، ولم يقل بخلافه الآن إلا من لا يعول على قوله ولا يقبل، ففي الخلاصة، وكثير من كتب علمائنا التي لا تعد لو قضى القاضي فيمن (١)