بينة من المسلمين، فهل يحكم بإسلامه أم لا؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.
(فأجبت) بقولي: الحمد لله تعالى، لا يحكم بإسلام الذمي المذكور بمجرد هذا الكلام، أما قوله: لست بكافر فلأنه يعتقد أنه مؤمن بنبيه وبكتابه، ويعتقد أن من لم يكن على دينه فهو كافر غير مهتد؛ لقوله تعالى:{وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا}؛ أي قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت النصارى: كونوا نصارى، ولقوله تعالى:{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء}. الآية.
ثم لا شك أن الكتب الإلهية يصدق بعضها بعضا، وكذلك الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وكل الكتب والرسل آمرة بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فاليهود والنصارى مؤمنون بذلك؛ لأنهم أهل كتاب منزل، ونبي مرسل، لكنهم أنكروا رسالة نبينا محمد -صلى الله تعالى عليه وسلم-، وإنزال القرآن عليه، فهم كفار بسبب ذلك.
وإن كان اعتقادهم أنهم على الهدى، فإذا قال القائل منهم: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله لا يلزم منه أن يكون مؤمنا بنبينا وبكتابنا؛ لأنه لا يعتقد أن نبينا -صلى الله تعالى عليه وسلم - من رسل الله، وأن كتابنا من كتب الله، ونحن لم نكفره إلا لهذا الاعتقاد الباطل.
ولو صرح بقوله: آمنت بجميع الرسل كلهم؛ فمراده: الرسل الذين يعتقد هو أنهم رسل الله، فلا يدل ذلك على إيمانه برسولنا -صلى الله تعالى عليه وسلم -؛ لاعتقاده عدم رسالته، (على أنه لو أتى بالشهادتين صريحا لا يحكم بإسلامه ما لم يتبرأ عن دينه، كما صرح به الجم الكثير من أئمتنا الحنفية، ونقله الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل عن الخانية، والذخيرة، والبدائع، والمحيط، والتتمة، وسير الملتقى، وشرح مختصر الطحاوي، وشرح السير الكبير، ونقل عبارات هذه الكتب، وأطال في ذلك، فراجعه إن شئت، وعزاه في باب المرتد من الدر المختار إلى الدرر، وفتاوى صاحب التنوير، وابن نجيم وغيرهما.
(نعم) نقل عن فتاوى قارئ الهداية أنه قال: والذي أفتي به صحته بالشهادتين بلا تبرؤ، لكن ذكر في الفتاوى الحامدية أن قارئ الهداية لم يتابع على ذلك، أي؛ لأن من بعده كصاحب التنوير، وابن نجيم وغيرهما خالفوه، واشترطوا التبري اتباعا للمنقول في كتب المذهب، ولا بد من ذكر نبذة يسيرة، ليكون السامع على بصيرة، فنقول: قال في الذخيرة: إذا قال اليهودي والنصراني: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لا يحكم بإسلامه ما لم يقل: تبرأت عن ديني، ودخلت في دين الإسلام؛ لأن اليهودي قد يتبرأ من اليهودية، ويدخل في النصرانية، أو المجوسية، فيجوز أنه تبرأ عن اليهودية لدخوله في النصرانية لا في الإسلام.
وعن بعض المشايخ إذا قيل لنصراني: أمحمد رسول الله بحق؟ فقال: نعم. لا يصير مسلما وهو الصحيح؛ لأنه يمكنه أن يقول: إنه رسول الله بحق إلى العرب والعجم