الحمد لله الذي شفع الوعد بالوعيد، والترغيب بالترهيب، والتبشير بالإنذار، وخلق الجنة بخلق النار، ونهى عن الأمن من مكره، كما نهى عن اليأس من رحمته؛ ليكفَّ عباده عن العلو والتقصير، ويقيمهم على الصراط المستقيم، قال عزَّ من قائل:{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأعراف: ١٦٧].
وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، شهدت بذلك غرائز الفِطَر، وشفعها صحيح النَّظَر، وعزَّزها الوحي المُسْتَطَر، ولم يَرْتب فيها إلَّا من عاند وأصرَّ.
وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وخصَّه بالشفاعة الكبرى في المقام المحمود، والوسيلة العليا في اليوم المشهود. صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى إخوانه النبيين والمرسلين، وآله الغُرِّ الميامين، وأصحابه الهداة المهديين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فإنَّ صراط الهدى كصراط الجزاء، ذاك صراط على متن النار، لها عذابٌ ووبال، وهذا على متن الباطل، بين غضبٍ وضلال، ولا يمين لهذا ولا ذاك، بل كلتا الجهتين شمال.
فقلَّ قضيَّة من قضايا الحق إلَّا وقد شرَّق عنها قومٌ وغرَّب آخرون، ومن ذلك الشفاعة عند الله عزَّ وجلَّ، غَلَت فيها أُممٌ، فعبدوا من طمعوا أن يشفع