للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي قضية إجماع، وانطلقت الألسنة، وارتفع الصخب، وأرادني بعض على الحكم بغرضهم فوقفت، وأغروا بي الخصوم فتنادوا بالتظلم عند السلطان، وجمع القضاة وأهل الفتيا في مجلس حفل للنظر في ذلك، فخلصت تلك الحكومة من الباطل خلوص الإبريز، وتبين أمرهم للسلطان، وأمضيت فيها حكم الله إرغاماً لهم، فغدوا على حرد قادرين، وعسوا لأولياء السلطان وعظماء الخاصة، يقبحون لهم إهمال جاههم، ورد شفاعتهم مموهين بأن الحامل على ذلك جهل المصطلح، وينفقون هذا الباطل بعظائم ينسبونها إلي، تبعث الحليم، وتغري الرشيد، يستثيرون حفائظهم علي، ويشربونهم البغضاء لي، والله مجازيهم ومسائلهم.

فكثر الشغب علي من كل جانب، وأظلم الجو بيني وبين أهل الدولة. ووافق ذلك مصابي بالأهل والولد، وصلوا من المغرب في السفين، فأصابها قاصف من الريح فغرقت، وذهب الموجود والسكن والمولود، فعظم المصاب والجزع، ورجح الزهد، واعتزمت على الخروج عن المنصب، فلم يوافقني عليه النصيح ممن استشرته، خشية من نكير السلطان وسخطه، فوقفت بين الورد والصدر، وعلى صراط الرجاء واليأس، وعن قريب تداركني اللطف الرباني، وشملتني نعمة السلطان - أيده الله - في النظر بعين الرحمة، وتخلية سبيلي من هذه العهدة التي لم أطق حملها، ولا عرفت - كما زعموا - فصطلحها، فردها إلى صاحبها الأول، وأنشطني من عقالها،

<<  <   >  >>