في وقفه، فكان رزق النظر فيها والمشيخة واسعاً لمن يتولاه، وكان ناظرها يومئذ شرف الدين الأشقر إمام السلطان الظاهر. فتوفي عند منصرفي من قضاء الفرض، فولاني السلطان مكانه توسعة علي، وإحساناً إلي وأقمت على ذلك إلى أن وقعت فتنة الناصري.
[فتنة الناصري]
وسياقه الخبر عنها بعد تقديم كلام في أحوال الدول يليق بهذا الموضع ويطلعك على أسرار في تنقل أحوال الدول بالتدريج إلى الضخامة والاستيلاء ثم إلى الضعف والإضمحلال والله بالغ أمره وذلك أن الدول الكلية، وهي التي تتعاقب فيها الملوك واحداً بعد واحد في مده طويلة، قائمين على ذلك بعصبية النسب أو الولاء، وهذا كان الأصل في استيلائهم وتغلبهم، فلا يزالون كذلك إلى انقراضهم، وغلب مستحقين آخرين ينزعونه من أيديها بالعصبية التي يقتدرون بها على ذلك، ويحوزون الأعمال التي كانت بأيدي الدولة الأولى، يفضون جبايتها بينهم على تفاضل البأس والرجولة والكثرة في العصابة أو القلة: وهم على حالهم من الخشونة لمعاناة البأس، والإقلال من العيش لاستصحاب حال البداوة، وعدم الثروة من قبل. ثم تنمو الثروة فيهم بنمو الجباية التي ملكوها، ويزين حب الشهوات للاقتدار عليها، فيعظم الترف في الملابس والمطاعم والمساكن