ورجعت أنا للاشتغال بما كنت مشتغلاً به من تدريس العلم وتأليفه، إلى أن كان السفر لمدافعة تمر عن الشام.
سفر السلطان إلى الشام
لمدافعة الططر عن بلاده
هؤلاء الططر من شعوب الترك، وقد اتفق النسابه والمؤرخون على أن أكثر أمم العالم فرقتان، وهما: العرب والترك، وليس في العالم أمة أوفر منهما عدداً، هؤلاء في جنوب الأرض، وهؤلاء في شمالها، وما زالوا يتنابون الملك في العالم، فتارة يملك العرب ويزحلون الأعاجم إلى آخر الشمال، وأخرى يزحلهم الأعاجم والترك
إلى طرف الجنوب، سنة الله في عباده.
فلنذكر كيف انساق الملك لهؤلاء الططر، واستقرت للدول الإسلامية فيهم لهذا العهد فنقول: إن الله سبحانه خلق هذا العالم واعتمره بأصناف البشر على وجه الأرض، في وسط البقعة التي انكشفت من الماء فيه، وهي عند أهل الجغرافيا مقدار الربع منه، وقسموا هذا المعمور بسبعة أجزاء يسمونها الأقاليم، مبتدئة من خط الاستواء بين المشرق والمغرب، وهو الخط الذي تسامت الشمس فيه رؤوس السكان، إلى تمام السبعة أقاليم. وهذا الخط في جنوب المعمور، وتنتهي السبعة الأقاليم في شماله. وليس في جنوب خط الاستواء عمارة إلى آخر الربع المنكشف، لإفراط الحر فيه، وهو يمنع من التكوين، وكذلك ليس بعد الأقاليم السبعة في جهة الشمال عمارة، لإفراط البرد فيها، وهو مانع من التكوين أيضاً، ودخل الماء المحيط بالأرض من جهة الشرق فوق خط الاستواء بثلاث عشرة درجة، في مدخل فسيح، وانساح مع خط الاستواء مغرباً، فمر بالصين، والهند والسند واليمن، في جنوبها كلها. وانتهى إلى وسط الأرض، عند باب المندب، وهو البحر الهندي والصيني، ثم انحرف من