للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عساكره، وصمم لمعاجلتهم، فلقيهم أثناء طريقه، وهاجمهم فهاجموه، ثم ولوا الأدبار منهزمين. وصرع الكثير من أعيانهم وأمرائهم في صدر موكبه، فما غشيهم الليل إلا وهم مصفدون في الحديد، يقدمهم الأمير تنم نائب الشام وأكابرهم كلهم. ونجا الأتابك أيتمش إلى القلعة بدمشق، فآوى إليها، واعتقله نائب القلعة. وسار السلطان إلى دمشق، فدخلها على التعبئة في يوم أغر، وأقام بها أياماً، وقتل هؤلاء الأمراء المعتقلين، وكبيرهم الأتابك ذبحاً، وقتل تنم من بينهم خنقاً، ثم ارتحل راجعاً إلى مصر.

وكنت استأذنت في التقدم إلى مصر بين يدي السلطان لزيارة بيت المقدس، فأذن

لي في ذلك. ووصلت إلى القدس ودخلت المسجد، وتبركت بزيارته والصلاة فيه، وتعففت عن الدخول إلى القمامة لما فيها من الإشادة بتكذيب القرآن، إذ هو بناء أمم النصرانية على مكان الصليب بزعمهم، فنكرته نفسي، ونكرت الدخول إليه. وقضيت من سنن الزيارة ونافلتها ما يجب، وانصرفت إلى مدفن الخليل عليه السلام. ومررت في طريقي إليه ببيت لحم، وهو بناء عظيم على موضع ميلاد المسيح، شيدت القياصرة عليه بناء بسماطين من العمد الصخور، منجدة مصطفة، مرقوماً على رؤوسها صور ملوك القياصرة، وتواريخ دولهم، ميسرة لمن يبتغي تحقيق نقلها بالتراجمة العارفين لأوضاعها، ولقد يشهد هذا المصنع بعظم ملك القياصرة وضخامة دولتهم. ثم ارتحلت من مدفن الخليل إلى غزة، وارتحلت منها، فوافيت السلطان بظاهر مصر، ودخلت في ركابه أواخر شهر رمضان سنة اثنين وثمانمائة. وكان بمصر فقيه من المالكية يعرف بنور الدين بن الخلال، ينوب أكثر أوقاته عن قضاة القضاة المالكية، فحرضه بعض أصحابه على السعي في المنصب، وبذل ما تيسر من موجوده لبعض بطانة السلطان الساعين له في ذلك، فتمت سعايته في ذلك، ولبس منتصف المحرم سنة ثلاث،

<<  <   >  >>