للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتنة الأتابك أيتمش، وذلك أنه كان للأتابك دوادار غر يتطاول إلى الرئاسة، ويترفع على أكابر الدولة بحظه من أستاذه، وما له من الكفالة على السلطان، فنقموا حالهم مع هذا الدوادار، وما يسومهم به من الترفع عليهم، والتعرض لإهمال نصائحهم، فأغروا السلطان بالخروج عن ربقه الحجر، وأطاعهم في ذلك، وأحضر القضاة بمجلسه للدعوى على الأتابك باستغنائه عن الكافل، بما علم من قيامه بأمره وحسن تصرفاته. وشهد بذلك في المجلس أمراء أبيه كافة، وأهل المراتب والوظائف منهم، شهادة قبلها القضاة. وأعذروا إلى الأتابك فيهم فلم يدفع في شيء من شهادتهم، ونفذ الحكم يومئذ برفع الحجر عن

السلطان في تصرفاته وسياسة ملكه، وانفض الجمع، ونزل الأتابك من الإسطبل إلى بيت سكناه. ثم عاود الكثير من الأمراء نظرهم فيما أتوه من ذلك، فلم يروه صواباً، وحملوا الأتابك على نقضه، والقيام بما جعل له السلطان من كفالة ابنه في سلطانه. وركب، وركبوا معه في آخر شهر المولد النبوي، وقاتلهم أولياء السلطان فرج عشي يومهم وليلتها، فهزموهم، وساروا إلى الشام مستصرخين بالنائب تنم، وقد وقر في نفسه ما وقر من قبل، فبر وفادتهم، وأجاب صريخهم. واعتزموا على المضي إلى مصر. وكان السلطان لما انفضت جموع الأتابك، وسار إلى الشام، اعتمله في الحركة والسفر لخضد شوكتهم، وتفريق جماعتهم، وخرج في جمادى حتى انتهى إلى غزة، فجاءه الخبر بأن نائب الشام تنم، والأتابك، والأمراء الذين معه، خرجوا من الشام زاحفين للقاء السلطان، وقد احتشدوا وأوعبوا، وانتهوا قريباً من الرملة، فراسلهم السلطان مع قاضي القضاة الشافعي صدر الدين المناوي، وناصر الدين الرماخ، أحد المعلمين لثقافة الرماح، يعذر إليهم، ويحملهم على اجتماع الكلمة، وترك الفتنة، وإجابتهم إلى ما يطلبون من مصالحهم، فاشتطوا في المطالب، وصمموا على ما هم فيه. ووصل الرسولان بخبرهم، فركب السلطان من الغد، وعبى

<<  <   >  >>