بتلمسان. ومولده - فيما أخبرني - سنة عشر وسبعمائة، وارتحل مع أبيه إلى المشرق. وجاور أبوه بالحرمين الشريفين، ورجع هو إلى القاهرة، فأقام بها. وقرأ على برهان الدين الصَّفاقُسي المالكي وأخيه. وبرع في الطَّلب والرواية، وكان يُجيد الخطَّيْن؛ ثم رجع سنة خمس وثلاثين إلى المغرب، ولقي السُّلطان أبا الحسن بمكانه في تلمْسان، وقد شيَّد بالعُبَّاد مَسجِدا عظيما؛ وكان عمه محمد بن مرزوق خطيبا به على عادتهم بالعُبَّاد. وتوفي، فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه. وسمعه يخطب على المنبر، ويشيد بذكره، والثناء عليه، فحلي بعينه، واختصه، وقربه، وهو مع ذلك يلازم مجلس الشيخين ابني الإمام، ويأخذ نفسه بلقاء الفضلاء، والأكابر، والأخذ عنهم؛ والسلطان في كل يوم يزيده رتبة؛ وحضر معه واقعة طريف التي كان فيها تمحيصُ المسلمين، فكان يستعمله في السِّفارة عنه إلى صاحب الأندلس. ثم سفر عنه، بعد أن ملك إفريقية، إلى ابن أُدْفونش مَلِك قَشْتَالة، في تقرير الصُّلح، واستنقاذ ابنه أبي عمر تاشفين. كان أسر يوم طريف، فغاب في تلك السِّفارة عن واقعة القيروان. ورجع بأبي تاشفين مع طائفة من زعماء النّصرانية، جاءوا في السفارة عن ملكهم، ولقيهم خبر واقعة القيروان، بقسنطينة، من بلاد إفريقية، وبها عامل السلطان وحاميته، فثار أهل قسنطينة بهم جميعاً، ونهبوهم، وخطبوا للفضل ابن السلطان أبي يحيى، وراجعوا دعوة الموحدين، واستدعوه فجاء إليهم، وملك البلد. وانطلق ابن مرزوق عائداً إلى المغرب، مع جماعة من الأعيان، والعمال، والسفراء عن الملوك، ووفد على السلطان أبي عنان بفاس مع أُمِّه حظية أبي الحسن وأثيرته. كانت راحلة إليه،
فأدركها الخبر بقسنطينة. وحضرت الهيعة. واتصل بها الخبر بتوثُّب ابنها أبي عنان على ملك أبيه، واستيلائه على فاس، فرجعت إليه، وابن مرزوق في خدمتها، ثم طلب اللحاق بتلمسان، فسرحوه إليها، وأقام بالعُبًّاد مكان سلفه، وعلى تلمسان يومئذ أبو سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان، قد بايع له قبيله بنو