بجاية من الموحدين مداخلة، أحكمها ما كان لسلفي في دولتهم. وغفلت عن التحفظ في مثل ذلك، من غيرة السلطان، فما هو إلا أن شغل بوجعه، حتى أنمى إليه بعض الغواة، إن صاحب بجاية، معتمل في الفرار ليسترجع بلده، وبها يومئذ وزيره الكبير، عبد الله بن علي، فانبعث السلطان لذلك، وبادر بالقبض عليه. وكان فيما أنمي إليه، أني داخلته في ذلك، فقبض علي، وامتحنني وحبسني، وذلك في ثامن عشر صفر، سنة ثمان وخمسين. ثم أطلق الأمير محمداً، وما زلت أنا في اعتقاله، إلى أن هلك. وخاطبته بين يدي مهلكه، مستعطفاً بقصيدة أولها:
على أي حال لليالي أعاتب ... وأي صروف للزمان أغالب
كفى حزنا إني على القرب نازح ... وإني على دعوى شهودي غائب
وأني على حكم الحوادث نازل ... تسالمني طوراً وطوراً تحارب
ومنها في التشوق:
سلوتهم إلا ادَّ كارَ معاهد ... لها في الليالي الغابرات غرائب
وإن نسيم الريح منهم يشوقني ... إليهم وتصبيني البروق اللواعب
وهي طويلة، نحو مائتي بيتاً، ذهبت عن حفظي، فكان لها منه موقع، وهش لها. وكان بتلمسان فوعد بالإفراج عني عند حلوله بفاس، ولخمس ليال من حلوله طرقه الوجع. وهلك لخمس عشرة ليلة، في رابع وعشرين في الحجة خاتم تسع وخمسين. وبادر القائم بالدولة، الوزير الحسن بن عمر إلى إطلاق جماعة من المعتقلين، كنت فيهم، فخلع علي، وحملني، وأعادني إلى ما كنت عليه، وطلبت منه الانصراف إلى بلدي، فأبى علي، وعاملني بوجوه كرامته، ومذاهب إحسانه، إلى أن اضطرب أمره، وانتقض عليه بنو مرين، وكان ما قدمناه في أخبارهم.