أنه إن ملك بجاية اعتقلهم بها، فراسلوا أبا زيان، وركبوا إليه، واعتقدوا معه. وخرج رجل البلد بعض الأيام من أعلى الحصن، ودفعوا شرذمة كانت مجمرة إزاءهم، فاقتلعوا خباءهم. وأسهلوا من تلك العقبة إلى بسيط الرشة. وعاينهم العرب بأقصى مكانهم من المعسكر فأجفلوا، وتتابع الناس في الانجفال حتى أفردوا السلطان في مخيمه، فحمل رواحله وسار، وكضت الطرق بزحامهم، وتراكموا بعض على بعض، فهلك منهم عوالم، وأخذهم سكان الجبال من البربر بالنهب من كل ناحية، وقد غشيهم الليل، فتركوا أزودتهم ورحالهم. وخلص السلطان ومن خلص منهم بعد عصب الريق، وأصبحوا على منجاة. وقذفت بهم الطرق من كل ناحية إلى تلمسان، وكان السلطان أبو حمو قد بلغه خروجي من بجاية، وما أحدثه السلطان بعدي في أخي وأهلي ومخلفي، فكتب إلي يستقدمني قبل هذه الواقعة. وكانت الأمور قد اشتبهت، فتفاديت بالأعذار، وأقمت بأحياء يعقوب بن علي، ثم ارتحلت إلى بسكرة، فأقمت بها عند أميرها أحمد بن يوسف بن مزنى. فلما وصل السلطان أبو حمو إلى تلمسان، وقد جزع للواقعة، أخذ في استئلاف قبائل رياح، ليجلب بهم مع عساكره على أوطان بجاية، وخاطبني في ذلك لقرب عهده باستتباعهم، وملك زمامهم، ورأى أن يعول علي في ذلك،
واستدعاني لحجابته وعلامته، وكتب بخطه مدرجة في الكتاب نصها:
الحمد لله على ما أنعم، والشكر لله على ما وهب، ليعلم الفقيه المكرم أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون، حفظه الله، على أنك تصل إلى مقامنا الكريم، لما اختصصناكم به من الرتبة المنيعة، والمنزلة الرفيعة، وهو قلم خلافتنا، والانتظام في سلك أوليائنا، أعلمناكم بذلك. وكتب بخط يده عبد الله، المتوكل على الله، موسى بن يوسف لطف الله به وخار له.
وبعده بخط الكاتب ما نصه: بتاريخ السابع عشر من رجب الفرد الذي من عام تسعة وستين وسبعمائة عرفنا الله خيره.
ونص الكتاب الذي هذه مدرجته، وهو بخط الكاتب: أكرمكم الله يا فقيه أبا زيد، ووالى رعايتكم. إنا قد ثبت عندنا، وصح لدينا ما انطويتم عليه من المحبة في مقامنا، والانقطاع إلى جنابنا، والتشيع قديماً وحديثاً لنا، مع ما نعلمه من محاسن