فملك قرطبة، وإشبيلية، وقرمونة وجيان وما إليها، في مدة عشرين سنة. ولما نزل بنو خلدون سبتة أصهر إليهم العَزَفِيٌّ بأبنائه وبناته، فاختلط بهم، وكان له معهم صِهْرٌ مذكور. وكان جدُّنا الحسن بن محمد، وهو سبط بن المحْتَسِب، قد أجاز فيمن أجاز معهم، فذكر سوابق سلفه عند الأمير أبي زكرياء، فقصَدَه وقدم عليه فأَكرم قدومه. وارتحل إلى المشرق، فقضى فَرْضَه. ثم رجع ولحق بالأمير أبي زكرياء على بُونَة، فأكرمه، واستقر في ظل دولته، ومرعى نعمته، وفرض له الأرزاق، وأقطع الإقطاع. وهلك هنالك، فدفن ببونة. وخلف ابنه محمداً أبا بكر، فنشأ في جو تلك النعمة ومرعاها. وهلك الأمير أبو زكرياء ببونة سنة سبع وأربعين، وولي ابنة المستنصر محمد، فأجرى جدنا أبا بكر على ما كان لأبيه. ثم ضرب الدهر ضربانه، وهلك المستنصر سنة خمس وسبعين، وولي ابنه يحيى، وجاء أخوه الأمير أبو اسحق من الأندلس، بعد أن كان فر أمام أخيه المستنصر. فخلع يحيى، واستقل هو بملك إفريقية، ودفع جدونا أبا بكر محمداً إلى عمل الأشغال في الدولة، على سنن عظماء الموحدين فيها قبله؛ من الانفراد بولاية العمال، وعزلهم وحسبانهم، على الجباية، فاضطلع بتلك الرُّتْبة. ثم عقد السلطان أبو إسحق لابنه محمد، وهو جدنا الأقرب، على حجابة ولي عهده ابنه أبي فارس أيام أقصاه إلى بجاية. ثم استعفى جدُّنا من ذلك فأعفاه، ورجع إلى الحضرة. ولما غلب الدعي بن أبي عمارة على ملكهم بتُونِس، اعتَقَل جدَّنا أبا بَكر محمداً، وصادره على الأموال، ثمَّ قتله خنقاً في محبِسِه. وذهب ابنه محمد جدنا الأقرب مع السلطان أبي إسحق وأبنائه إلى بِجَاية، فقبض عليه