كذلك، فما راعهم آخر النهار إلا انتشار العجاج خارجاً إليهم من أفواه الثنية، فركبوا يستشرقون، وإذا بهوادي الخيل طالعة من الثنية، وعساكر بني مرين والمعقل وزغبة متتالية أمام الوزير أبي بكر بن غازي، قد دل بهم الطريق وفد أولاد سباع الذين بعثتهم من المسيلة، فلما أشرفوا على المخيم، أغاروا عليه مع غروب الشمس، فأجفل بنو عامر، وانتهب مخيم السلطان أبي حمو ورحائله وأمواله. ونجا بنفسه تحت الليل، وتمزق شمل ولده وحرمه، حتى خلصوا إليه بعد أيام، واجتمعوا بقصور مصاب
من بلاد الصحراء وامتلأت أيدي العساكر والعرب من نهابهم. وانطلق محمد بن عريف في تلك الهيعة. أطلقه الموكلون به، وجاء إلى الوزير وأخيه ونزمار، وتلقوه بما يجب له. وأقام الوزير أبو بكر بن غازي على الدوسن أياماً أراح فيها. وبعث إليه ابن مزنى بطاعته، وأرغد له من الزاد والعلوفة، وارتحل راجعاً إلى المغرب، وتخلفت بعده أياماً عند أهلي ببسكرة. ثم ارتحلت إلى السلطان في وفد عظيم من الدواودة، يقدمهم أبو دينار أخو يعقوب بن علي، وجماعة من أعيانهم، فسابقنا الوزير إلى تلمسان، وقدمنا على السلطان، فوسعنا من حبائه وتكرمته، ونزله ما بعد العهد بمثله. ثم جاء من بعدنا الوزير أبو بكر بن غازي على الصحراء، بعد أن مر بقصور بني عامر هنالك فخربها، وكان يوم قدومه على السلطان يوماً مشهوداً، وأذن بعدها لوفود الدواودة بالانصراف إلى بلادهم. وقد كان ينتظر بهم قدوم الوزير، ووليه ونزمار بن عريف، فودعوه، وبالغ في الإحسان إليهم، وانصرفوا إلى بلادهم. ثم أعمل نظره في إخراج أبي زيان من بين أحياء الدواودة لما خشي من رجوعه إلى حصين، فوامرني في ذلك، وأطلقني إليهم في محاولة انصرافه عنهم، فانطلقت لذلك. وكان أحياء حصين قد توجسوا الخيفة من السلطان وتنكروا له، وانصرفوا إلى أهلهم بعد مرجعهم من