قلنا لأصحابنا (اركبوا فِيهَا بسمِ اللهِ مَجْراها ومُرْسَاها)، ثم أُرخي شراعها، ورُفعت مرساها، وسارت بنا في ذلك البحر العُبَاب، تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب، وتمثلت بما قال بعض أهل الآداب:
تأمل حالَنا والجوّ طلقٌ ... محياهُ وقد طفَل المساءُ
وقد جَالَت بنا عذراءُ حبلى ... يجاذِبُ مِرْطَها ريحٌ رخاءُ
ببحرِ كالسّجَنْجَل في صفاءٍ ... تُعاينُ وجهَهَا فيه السماءُ
[القسطنطينية]
ولم نزل نسير ونحن جلوس، وهي تتبختر بنا تبختر العروس، وتجول بنا خلال ذلك البحر وتجوس، تارة بإبطاءٍ وطوراً بإسراع، وحيناً بمجاديف وآونة بأشراع، وذلك البحر قد راق نعتاً، ورق وصفاً، والأمواج به تعطف صفاً وتنقصف قصفاً، وتأتي خاضعة إلى البرّ فتقبل منه كفا وتتيه آونة فتنعطف عنه عطفا وتثنى عن الإلمام به عطفاً، وتستحي تارة فتبدي له تملقاً ولطفاً، إلى أن أرسينا بمرسى قُسْطَنْطِينيّة العُظْمى، ذات المحل الأسمى والحمى الأحمى، فتلقانا الأمين سِنَان جلبي أمين الصقالة، وعظّمنا وأجلّنا غاية العظمة والجلالة، وأحلّنا منزلته وحلاله، وكان مولانا السيد أسبغ الله ظلاله، وختم بالصَّالحات أعماله، قد أرسل