لو كانَ بالفلك الدوّار لم يَدُرِ ... أو كانَ بالماء لم يُشْرَب من الكدرِ
أو كانَ بالعيس ما بي يوم فرقتهم ... أعيتْ على السابق الحادي فلم يَسِرِ
[الخروج من دمشق]
وصحبت معي من الكتب النافعة في الأسفار بعض أجزاء وأسفار، وخرجت من المدينة وقت الإسفار، وصحبني جماعة من الأصحاب للوداع، وأسرعنا في السير قبل أن يتكاثروا غاية الإسراع، هذا والدموع لا ينحبس وَبْلُها إلاّ وأخلفه طَلُّها، وكلما أفرغ ذَنوبُها امتلأ سَجْلُها، والجوانح لا يهمد وقْدُ ضرامها، إلاّ وأخلفه حرّ أوامها، ولا يخمد تأجج نيرانها إلاّ وأردفه توهج دخانها والشوق بالأحشاء عابث
وبجوانب الضلوع عابث، والقلب من اضطراب أهوائه خافق، وغراب البين ببعد الأحبة ناعق، وسرنا سير مُشمَعِلّ نطوي البيد كطي السجل، فوصلنا بعد تعالي الصباح وارتفاع الشمس قيد ثلاثة رماح إلى المنزل المقرر، وهو قرية ابن فُرْفُور دُمَّر، وهي قرية كبيرة كثيرة الخيرات وافرة الغلات طيبة النبات، فنزلنا بها بمرج لطيف، بديع التدبيج والتفويف، ذي عَرْفٍ أعطر، وربيع أزهر، من عُشْب أخضر، وأقحوان أصفر، وشقيق أحمر، وغير ذلك مما هو عجيب التلوين غريب التكوين، وقد حفّ به من غالب جوانبه نهر بَرَدَى وهو أكبر أنهار الشَّام وأكثرها مددا بل هو أصل