للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوجل، إلى أن اهتدينا بعد أن كدنا نضل، إلى المنزل المعروف بدل، وهو منزل إلى جانب البحر بين تلال في مضيق، ومنها يُنْزل في المُعديّة إلى قرب أزْنِيق فيقرب على الناس الطريق، وبها عمارة لابن هرسك للقاطنين والواردين، وعند المُعديّة على الدرب خان للمسافرين، وبظاهره عينٌ ماؤها معين، يصب في حوض كبير لورود الواردين، فنزلنا بذلك الخان، إلى أن آن وقت الفجر وحان، ونحن لا نهجع، ولا يستقر لنا مضجع، ودمعنا ودمع الغمام ذارف، وسقف الخان والسماء واكف، فبتنا بليلة نابغية وأحزان يعقوبية وتصبرات أيّوبية، لا نجد من تلك البأساء ملجأ ولا مقيلاً، ونلقي من أعيننا وأعين المزن بالليل قبل النهار سبحاً طويلاً، فعندما تجلّى وجه السحر، وذبح لضيف الصباح مطيّة الظلام ونحَر، خف القطر وقل، وتنازل من الوبل إلى الطل، فأخذنا في الترحال، وركبنا متون تلك الأوحال، وسمونا مع الماء سُموَّ حبابه حالاً على حال. ولم نزل نقطع مهامة وقفار، ونجوز في أودية كالبحار، يندهش بزمع فيها البصر ويحار، إلى أن وصلنا إلى كيكثبزة ضحوة النهار، فما ملنا إلى النزول ولا عُجْنَا، ولا عولنا على غير المسير ولا عرجنا، واستمر السير ذلك النهار جميعه والسحاب لا يكفكف دموعه، والشمس متسترة بخدرها لا تبرح خوف ذلك الزلق من وكرها، والأرض لا تثبت الرجل من كثرة الوحل على ظهرها، وتلك الجياد ترسف فيه كالراسف في الأقياد، وقد ضنى من ذلك القلب والفؤاد، والثياب منقوشة بأيدي الخيل من العاتق إلى الذيل، ووافانا (في

<<  <   >  >>