بأكيد الدُّعاء إلى (القريب المجيب) إله الأرض والسماء، عسى يحفّ بالعطف بالنقل إلى خير بَدل، وهو سامع للاستغاثة عز وجل، ثم انقلبت تلك القلبة عند انقلابنا من العقبة، ثم طلعت الشمس، ومدّت حبالها الشديدة المرس، وأفضا بنا السير إلى فضاء واسع، وقطر شاسع، وقرى كثيرة، ونعم غزيرة، وكان وصولنا ضحوة نهار الاثنين سادس عشرين الشهر، إلى مدينة الجديدة المعروفة بينكى شهر، ونزلنا بخارجها على شاطئ النهر، في مرج واسع ذي مرعى وزهر، ثم عزمنا على الترحَال وقت الظهر، وشددنا الأحمَال وامتطينا الظهر، وسرنا سيراً مجداً لم نأل فيه جهداً إلى أن تهدم من النهار بنيانه، وأقبل الليل ولاحت نيراته ونيرانه، وأطبق الظلام جفنه وأعرض، فوصلنا إلى قرية آق بيق ومعناه الشارب الأبيض، وبها حمام وخان، وخارجها أشجار كثيرة من السنديان، وبتنا بها ليلة الثلاثاء سابع عشرين الشهر المذكور، ثم رحلنا منها حين تقوضت خيام الدَّيْجُور، وجرد الفجر سيفه المشهور، ولم نزل نجوب تلك الفيافي والقفار إلى تعالي ذلك النهار، فوصلنا إلى القرية المعروفة بأرمنى بازار، ونزلنا خارجها
بذلك المقعد المار المركب على العين، وأقمنا هناك إلى ما بين الصلاتين، ثم سرنا منه والأبدان أيضاً تعب، والهاجرة ذات لهب، ولم نزل نجوب كل تنوفة، ونقتحم كل مخوفة، إلى أن قضى اليوم نحبه، وواصل قرص الشمس غربه، فانتهينا إلى قرية بُوزيُك ومعناه التل الأشهب، وبها عمارة لقاسم باشا الوزير أتقن وضعها ورتّب، وأبدع في عمارتها وأغْرَب، فنزلنا بظاهرها بمرج وسيع به أعين وربيع، وبتنا به ليلة الأربعاء إلى أن سلب الليل خضابه، وأماط الفجر نقابه، ثم أخذنا في السير والترحال، ولم نرثِ لتلك المطى من الكلال، ولم نزل نسير ذلك اليوم، إلى أن حلّ الفطر من الصوم، ثم شرعنا نشقّ جلابيب الليل شقا، ونحاسبه من عمره على ما تبقّى، إلى أن أفضى بنا السير