للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العين الحمئة إيرادها بمكان يعرف بأستك، بهمزة مفتوحة على وزن مرتك، عند عين ماء نمير تجاه بسطه، وربيع قد فرش بُسطه، وأظهر سروره وبَسطه، وأخرج سوسانه ولسانه وقرطه، فبتنا به ليلة السبت ثامن شوال، ثم عزمنا على الترحال وشددنا الخيل وحملنا البغال:

حين شابَ الدُّجى وخَافَ من الهَجْرِ ... فغطّى المشيبَ بالزعفران

فلمّا سرنا قليلاً لحقني الأمير جانم ومعه جماعة فسلموا وقالوا: أردنا المثول لخدمتكم في هذه الساعة. فقلت: ما الخبر؟ فقالوا: سؤال حضر. فقلت: ما السؤال؟ فتقدم الأمير جانم وقال: هو عن قوله تعالى (إنّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) فقلت: ما المقصود؟ فقال: الضمير في خَلَقَهُ وما بعده على من يعود؟ فقلت: على عيسى. فقال: قد وقع بين علماء القاهرة فيه إشكال فإنّه قال خَلَقَهُ من تُرابٍ فتم الخلق بهذا المقال، ثم قال له كن هذا تحصيل حاصل أي وهو محال، فقلت: كلا، بل المقصود بقوله خَلَقهُ من تراب صور هيكله الجسماني، وبقوله ثم قال له كن نفخ فيه الروح وأتم فيه البشرية والخلق الإنساني. فشكر وأثنى وذكر أنّ ذلك التحقيق لم يسمعه إلاّ منّا، ولم يزل يتودد ويتواضع ويتلطف ويتخاضع، فلما تعالى النهار وترافع، وتوالى حره وتتابع، وصلنا إلى مدينة المَصِّيْصَة بعد أنّ سلكنا

مسالك وعرة عويصة، وهي مدينة بكثرة الأشجار والمياه مخصوصة يجري بفنائها نهر جَيْحَان وبها عليه جسر عظيم البنيان وعليها بابان يقفلان عليه إلى الآن وقد كانت من غُرَر البلدان، وانتشأ بها جماعة من الأعيان، لكنها الآن خربت،

<<  <   >  >>