حتى إذا بَلَغتْ إلى حيث انتهتْ ... وقَفتْ كوقْفة سائلٍ عن مَنْزِلِ
ثم انثنتْ تبغي الحدورَ كأنها ... طيرٌ أَشَفَّ مَخَافةً من أجْدلِ
فوصلنا حينئذٍ إلى خان وسيع، في مرج وربيع، وعشب مخصب مريع، وعيون جارية، وبالقرب منه أطلال بالية، وعروش خالية، وآثار أسوار عالية، وقصور مستهدمة، تدلّ على أنها كانت مدينة معظمة، فنزلنا هناك ولم يحصل بحمد الله من ذلك المطر كبير ضرر، ولا عظيم أثر، بل خفف حر القلوب، وأزال تلك الكروب، ولبَّد المسالك والفجاج، من التراب الثائر والعجاج، فبتنا بذلك المحل بعد أن تفقدنا الأحمال، وأصلحنا الأحوال وذلك ليلة السبت تاسع عشرين شوال، فلمّا تَفَرَّى عن وجنة الأفق عذار الغيهب، وتتوج كسرى المشرق بالتاج المذهب، عزمنا على الترحال وشددنا على الدواب الأحمال، ثم سرنا فوصلنا إلى بلدة كثكثيبزه وقت الزوال، وقد بلغت الشمس من مرتقاها درجة الكمال، واستقامت مقيمة ميزان الاعتدال، وهي بلدة عامرة ذات خيرات غامرة ونعم ظاهرة (وأمم متكاثرة)، وبها أسواق متّسعة، وعمارة تقام فيها الجمعة، عظيمة الآثار مزدهاة، عديمة الأنظار والأشباه، منسوبة لمصطفى باشا الوزير رحمه الله، وبظاهرها مرج أفيح، للناظر فيه مسرح، وللخاطر مسنح ومشرح:
ولقد نزلتُ به وكفُ ربيعِهِ ... في نسجِ حُلَةِ نوره يتأنقُ