ثم أكد وصفه بالجلد، فقال: جرب الأسفار وعرفها، وباشر الفلوات وقطعها، ونفذ في الحزومة بقوته، وخالطت به الخيل كبات الجيوش بجرأته.
ثم وصفه بجرأة النفس، وشدة البطش، فقال: إنه لا عفة في سيفه ورمحه؛ لمبادرته إلى الحرب، وتسرعه إلى الطعن والضرب، ولكن العفة في كفه؛ بإمساكه عن مكروه المكاسب، وفي فرجه بتنزهه عن إتيان المحارم، وفي فمه بترفعه عن القول بالمآثم.
وما كُلُّ هاوٍ لِلْجميلِ بِفَاعلٍ ... ولا كُلُّ فَعَّالٍ لَهُ بِمُتَمَّمِ
فيقول: وما كل من يهوى الجميل يفعله، ولا كل من يبتديه يتممه، فرب من يحب الشيء ولا ييسر لفعله، وبتديه ولا يتممه على وجهه.
ثم قال: فدى الله أبا المسك بجميع الكرام، وأولي الفضل والإنعام، فإنهم وإياه كخيل تتسابق في الجري، وتتبارى في العدو، وقد بذها وسَبقها، وبرز عليها وتقدمها، أدهم تهتدي بفعله، وتسعى جاهدة على أثره. وأشار بقوله أدهم إلى سواد كافور، وأنه لا يخل به مع فضله وكرمه، كما لا تخل الدهمة بالفرس العتيق مع سبقه وتقدمه.
ثم قال مؤكدا لما ذكره: وذلك الأدهم أغر، قد وسمه مجده، ورفعه من المتسابقين في الكرم فضله، فشخصت أبصارهم منه إلى خلق رحب معظم، وخلق مستحسن مطهم. وكنى بالخيل وسابقها عن الكرام وفاضلها.