لمساعي: المطالب، وراءه: مقلوب من رآه، تقول العرب: رأى وراء.
فيقول: إذا منعت السياسة من محاولها نفسها، وصعب عليه أن يدرك علمها، فليقف قدام كافور وقفة، وليشهد أوامره ساعة، يتعلم من ذلك ما يكتفي بعلمه، وينكشف له منه ما يستغني بمثله.
ثم قال: يضيق العذر على من رآه وشهده، ووصل إليه وأبصره، في أن يضعف عن سعي يحاوله، أو يقصر في كرم يتناوله؛ لأن سعادته تقرب المطالب، ومشاهدته تعلم المكارم.
ومَنْ مِثْلُ كافُورٍ إذا الخَيْلُ أَحْجَمَتْ ... وكانَ قَليلاَ مَنْ يقولُ لها أَقْدُمي
الإحجام: التأخر، وهو مقلوب من الإحجام، والنقع: الغبار، واللهوات: أقصى الفم، الواحدة: لهاة، والتلثم: التقنع بالعمامة ونحوها.
فيقول: ومن مثل كافور في الرؤساء، والمذكورين من الأمراء، إذا أنفذت الحرب وأحجمت الفرسان عن تقحمها، واضطرمت فجبنت الكماة عن تورطها، وكان قليلا منهم من يقول للخيل أقدمي غير متهيبة، واقتحمي غير متثبطة. يشير إلى نفاذ كافور في الشدائد، واعتياده للتقدم في الملاحم.
ثم قال: إنه شديد ثبات الطرف في تلك المواقف، متمكن النظر في تلك المضائق، لا يعتريه دهش المخافة، ولا يضطرب بصره من المهابة، والرهج ثائر بتطاول الفرسان، والعجاج ساطع بتنازل الأقران، فليس تعتصم منه لهوات الفارس المتلثم لكثرته، ولا تمتنع عليه لتكاثف جملته.