للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قطع المهامه النائية، والقفار التي لا تنزلها القبائل إلا منفردة، ولا تحل بها إلا مستوحشة، فلكلابها لشدة إنكارها للأنيس على من قاربها منهم، حملات كحملات الديلم في شدتها، وما هي عليه من تمكن قوتها.

ثم قال على نحو ما قدمه: ولا اتبعت آثارنا عين قائف يقفو سبيلنا، ويتحسس خبرنا، فلا يرى إلا حافر فرس على آثار منسم بعير. يشير إلى أنه ومن كان معه جنبوا الخيل مرتجين لها، وركبوا الإبل سائرين بها.

وَسَمْنَا بها البَيْداَء حَتَّى تَغَمَّرَتْ ... مِنَ النيْلِ واسْتَذْرَتْ بِظِلَّ المُقَطَّمِ

وأَبلَجَ يَعْصِي باخْتِصِاصِي مُشِيْرَهُ ... عَصَيْتُ بِقَصْدَيْهِ مُشيريِ ولُوَّمِي

فَسَاقَ إِليَّ العُرْفَ غَيْرَ مُكَدَّرٍ ... وَسُقْتُ إِليهِ الشُّكْرِ غَيْرَ مُجَمْجَمِ

الوسم: العامة، وسمت الشيء: إذا أثبت فيه علامة يعرف بها، والبيد: جمع بيداء، وهي الأرض المقفرة، وغمرة الماء مجتمعه، والتغمر: الدخول في الغمرة، والنيل: نهر معروف، والاستذراء بالشيء: التستر به، والمقطم: جبل يقرب من مصر، والأبلج: الطلق الوجه بالمعروف، والمجمجم من الكلام: الملتبس الذي لا يتبين.

فيقول: وسمنا البيداء بآثار ما ركبناه من الإبل، وجنبناه من الخيل، حتى وردت بنا غمار النيل، نهر مصر، واستذرت بظل جبلها، وأشار إلى أنه اعتمد في سيره القفار المتروكة، والطرق المعهودة، فصار آثار إبله وخيله فيها كالسمات المستغربة، والعلامات المشتهرة.

ثم قال مشيرا إلى كافور: ورب أبلج من الملوك، يعصي المشير عليه بالاقتصار فيما خصني به من بره، ويعرض عنه فيما أسبغه علي من فضله، عصيت من أشار علي بالتأخر عن قصده، وأعرضت عن اللائم لي في الرحلة إلى أرضه.

ثم قال: فساق إلي عرفه كثيرا غير مقلل، وهنيئا غير مكدر، وسقت إليه شكري صريحا لا أجمجم في ذكره، ووافرا لا أقصر في نشره، فقارضته عما أسدى إلي

<<  <  ج: ص:  >  >>