للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجرت وحشة بين الأمير أبي القاسم وكافور مديدة ثم اصطلحا، فقال أبو الطيب في ذلك:

حَسَمَ الصُّلْحُ ما اشْتَهَتْهُ الأَعادِي ... وأَذَاعَتْهُ أَلْسُنُ الحُسَّادِ

وأَرَادَتْهُ أَنْفُسٌ حَالَ تَدْبي ... رُكَ ما بَيْنَها وبَيْنَ المُرَادِ

الحسم: القطع، والإذاعة: الإفشاء.

فيقول: حسم صلح كافور لأبي القاسم بن الإخشيد مولاه، ما كانت أعداء دولتهما تشتهيه وترتغبه، وترتجيه وتؤمله، وانقطع ما كانت ألسن الحساد تذيعه من الأسباب الداعية إلى الفرقة، والموجبة للاختلاف والوحشة.

ثم قال: وانحسم بهذا الصلح ما تطلعت إليه أنفس أعداء، حال تدبيرك، أيها الأستاذ، بينها وبين ما أرادته من إيهان الدولة، وما أجرت إليه من نفوذ دواعي الفتنة.

صَارَ مَا أَوْضَعَ المُخِبُّونَ فِيْهِ ... مِنْ عِتَابٍ زِيَادَةً في الوِدَادِ

وَكلامُ الوُشَاةِ لَيْسَ على الأَحْ ... بابِ سُلْطَانُهُ على الأَضَّدادِ

إِنَّما تَنْجَحُ المَقَالَةُ في المَرْ ... ءِ إِذا وَافَقَتْ هَوًى في الفُؤَادِ

الإيضاح في الشيء: الإسراع فيه، والمخب: المجتهد في الشيء، والعتاب: إظهار السخط، والوشاة: النمامون، والأضداد: المختلفون من جميع جهاتهم، والفؤاد: القلب.

فيقول مخاطبا لكافور: صار ما أوضح فيه المخبون، من تسبيب العتاب بينك وبين الأمير أبي القاسم بن الإخشيد، زيادة في وداده لك، وموجبا لاستحكام ثقته بك؛ لأنك أعرضت عما سببوه، ولم يخف عنك كذبهم فيما نقلوه، فاسترضيته بكريم معاملتك، وعذت فيما أنكره بحلمك ومجاملتك.

ثم قال: وكلام الوشاة وسعيهم، واحتيالهم وبغيهم، لا ينجحان في أهل المحبة، ولا سلطان لهما على المعتقدين للمودة، وإنما سلطان ذلك على لأضداد المتنافرين،

<<  <  ج: ص:  >  >>