والأعداء المتباغضين. فاعتقد تقديم ما أخر، وأضمر ثقة بما أظهر، وأراد: وكلام الوشاة سلطانه على الأضداد، ليس سلطانه على الأحباب، فحذف ثقة بفهم المخاطب.
ثم قال: إنما تنجح في المرء مقالة الناقل، وتثبت فيه وشاية الحاسد، إذا وفق ذلك هوى قد رسخ في قلبه، وتصديقا قد سبق إلى نفسه، وذلك أيها الأستاذ لا يخاف بينك وبين أبي القاسم الأمير، لأنك ظئره وحافظه، وظهيره وناصره.
الأطواد: الجبال، واحدها طود، والإرشاد: الإشارة بالرشد، والمشوي: الذي يخطئ المقاتل، ويصيب الأطراف.
فيقول لكافور: ولعمري لقد هزك الأعداء بقولهم، وراموا أن يستفزوك بإفكهم، فألفوك أوثق الأطواد، برجاحة رأيك، وأبعدها من الخوف بأناتك وحلمك.
ثم قال يخاطبه: وأشارت عليك محاربة الأمير أبي القاسم رجال لم ينصحوك في قولهم، ولا أصابوا في رأيهم، فكنت بما آثرته من الحلم، واحتملت عليه من الصبر، أهدى إلى السداد، وأعلم بطرق الإرشاد.
ثم قال باسطا لبعض عذر الطائفة المشيرة بالحرب، وأن ذلك غاية جهدهم، ومبلغ علمهم، وأن كافورا أربى على جهدهم بعفوه، وعلى رويتهم ببديهة رأيه: قد يصيب المشير دون اجتهاد لنفسه، ويدرك المطلوب من حقيقة الرأي بأيسر سعيه، وقد يخطئ مع الإمعان في النظر، ويحرم الصواب مع شدة البحث والطلب.
نِلْتَ ما يَنَالُ بالبِيْضِ والسُّمْ ... رِ َصُنْتَ الأَرْواَحَ بالأَجْسَادِ
وَقَنَا الخَطَّ في مَرَاكِزِها حَوْ ... لَكَ والمُرْهَفَاتُ في الأَغْمَادِ