ما دَرَوْا، إذْ رَأَوْا فُؤَادَكَ فِيْهْم ... سَاكِناً، أَنَّ رَاُيَهُ في لبطّرادِ
البيض: السيوف، والسمر: الرماح، وقنا الخط: رماح تنسب إلى الخط، وهو موضع معروف. ومراكز الرماح: المواضع التي تغرز فيها، والمرهفات: شفرات السيوف، والطراد: تجاول الفرسان.
فيقول، وهو يخاطب كافورا: نلت بسعة حلمك، وصواب رأيك، من بلوغ مرادك، واستبانة رشادك، ما لا يبلغ مثله بالسيوف والرماح، وصنت الأرواح في أجسادها عن القتل، وفقك الله لمشكور الفعل.
ثم قال مخاطبا له: وقنا الخط في مراكزها حولك ثابتة، والسيوف في أغمادها ساكنة، فأثارت الصلح مع كثرة أنصارك، وعدلت عن الحرب مع استظهارك بقوة أعوانك، فعرفك الله بركة رأيك، وتكفل لك بإنجاح سعيك.
ثم قال: ماد درى الجيش المحيط بك، إذ رأوك مقيما فيهم، ساكن القلب بينهم، أن رأي قلبك في الطراد، تمتثل وجوه عواقبه، وتتأهب لتصريفه على حقائقه، فآثرت الصلح مع قوتك على الحرب، وتكفل الله لك في ذلك بأجمل الصنع.
فَفَدَى رَاُيَكَ الذي لم تُفَدْهُ كُلُّ ... رَأْيٍ مُعَلَّمٍ مُسْتَفَادِ
وإِذا الحِلْمُ لم يَكُنْ في طِبَاعٍ لم ... يُحَاَّمْ تَقَدُّمَ المِيْلاَدِ
الطباع: الطبيعة.
فيقول مخاطبا لكافور: ففدى رأيك الذي لم تفده بالدلالة عليه، ولا أدركته بالإرشاد إليه، وأفادك إياه شرف طبعك، وما أنت عليه من سعة حلمك، كل رأي يستفاد بالتعلم، ويستظهر عليه بطول التبين.
ثم قال: وإذا الحلم لم يبعث عليه كرم الخلقة، ولا استفاده صاحبه بشرف الجبلة، لم تبعث عليه الأعمار الطويلة، ولا أرشدت إليه المواليد القديمة. وهذا البيت من الأمثال السائرة، والمثل أرفع أبواب البديع.