للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والماجن: الذي لا يبالي بما صنع. والعرام: الشدة، والركاب: الإبل تحمل القوم.

فيقول: ولطالما أفنيت في هذه الدار ريق كعابها، مسرورا بوصلها، مبلغا أبلغ الأمل من قربها، وأفنت كلامي بمعاتبتها لي، واستكثرت من حديثي معجبة بي.

ثم قال مخاطبا لنفسه: قد كنت تهزأ بالفراق آمنا لفجاءته، وتمجن بذكره جهلا بمخوف عاقبته، وتجر في (. . . . .) ذيلي شره وعرام، وتتصرف فيه تصرف شبيبة واغترار.

ثم قال مشيرا إلى فراق أحبته، ورحيل من شغف بألفته: ليس على الركاب في (. . .).

لَيْتَ الَّذي خَلَقَ النَّوىَ جَعَلَ الحَصَى ... لِخِفَافِهِنَّ مَفَاصِلِ وَعِظَامِي

مُتَلاحِظْيَنَ نَسُحُّ مَاَء شُؤُونِنَا ... حَذَارَاً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأَكْمَامِ

أَرْواحُنَا انهَمَلَتْ وعِشْنَا بَعْدَهَا ... مِنْ بَعْدِ ما قَطَرَتْ على الَقدامِ

النوى: البعد. وخفاف الإبل: ما تطأ به الأرض من أيديها وأرجلها. والسح: الانسكاب. والشؤون: مجاري الدموع. والانهمال: شدة الجري. والقطر: سقوط المطر الشيء بعد الشيء، ويستعار ذلك فيما قاربه. والمفاصل: ما تتصل عليه الأعضاء.

فيقول: ليت الذي خلق النوى وأنشأها، وابتدعها واخترعها، جعل بتلك القدرة حصى أحفاف إبل الأحبة عظامي؛ لأصحبها ولا أفارقها، وأقاربها ولا أباعدها.

ثم قال؛ يريد نفسه وأحبته الراحلين عنه: متلاحظين في موقف البين، نسخ ماء شؤونها - وأومأ إلى الدمع - غير معلنين بسكبه، ولا مظهرين لأمره، نسكبه في الأكمام، ونستره عن الرقباء واللوام.

ثم قال: ولم يكن ما بكينا به دموعا نسكبها ونذريها ويرسلها، وإنما كانت أرواحنا قطرت على أقدامنا منهلة، وظعنت عن أجسامنا مرتحلة، وعشنا منها بأنفس

<<  <  ج: ص:  >  >>