والماجن: الذي لا يبالي بما صنع. والعرام: الشدة، والركاب: الإبل تحمل القوم.
فيقول: ولطالما أفنيت في هذه الدار ريق كعابها، مسرورا بوصلها، مبلغا أبلغ الأمل من قربها، وأفنت كلامي بمعاتبتها لي، واستكثرت من حديثي معجبة بي.
ثم قال مخاطبا لنفسه: قد كنت تهزأ بالفراق آمنا لفجاءته، وتمجن بذكره جهلا بمخوف عاقبته، وتجر في (. . . . .) ذيلي شره وعرام، وتتصرف فيه تصرف شبيبة واغترار.
ثم قال مشيرا إلى فراق أحبته، ورحيل من شغف بألفته: ليس على الركاب في (. . .).
مُتَلاحِظْيَنَ نَسُحُّ مَاَء شُؤُونِنَا ... حَذَارَاً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأَكْمَامِ
أَرْواحُنَا انهَمَلَتْ وعِشْنَا بَعْدَهَا ... مِنْ بَعْدِ ما قَطَرَتْ على الَقدامِ
النوى: البعد. وخفاف الإبل: ما تطأ به الأرض من أيديها وأرجلها. والسح: الانسكاب. والشؤون: مجاري الدموع. والانهمال: شدة الجري. والقطر: سقوط المطر الشيء بعد الشيء، ويستعار ذلك فيما قاربه. والمفاصل: ما تتصل عليه الأعضاء.
فيقول: ليت الذي خلق النوى وأنشأها، وابتدعها واخترعها، جعل بتلك القدرة حصى أحفاف إبل الأحبة عظامي؛ لأصحبها ولا أفارقها، وأقاربها ولا أباعدها.
ثم قال؛ يريد نفسه وأحبته الراحلين عنه: متلاحظين في موقف البين، نسخ ماء شؤونها - وأومأ إلى الدمع - غير معلنين بسكبه، ولا مظهرين لأمره، نسكبه في الأكمام، ونستره عن الرقباء واللوام.
ثم قال: ولم يكن ما بكينا به دموعا نسكبها ونذريها ويرسلها، وإنما كانت أرواحنا قطرت على أقدامنا منهلة، وظعنت عن أجسامنا مرتحلة، وعشنا منها بأنفس