لمطالبة نفسه، أعانه الإنسان على مذهبه، فركب في تلك القناة سنانا يحسن القناة بها للمطاعنة، وتتم بما يقصد إليه من المحاربة. فأشار بالقناة إلى ما يسببه الزمان للإنسان من المكروه، وبالسنان إلى ما يؤكده الإنسان به على نفسه مراد الزمان من سوء صنعه، ومذموم فعله.
ثم قال: ومراد النفس أقل وأصغر، ومدة التمتع به إذا تمكن أحقر وأقصر، من أن تستجاز العداوة من أجله، وتتقلد أسباب التفاني إعجابا بأمره، فمال الإنسان ومتاع الدنيا يقاتل عليه، وهو على عجل منه، وينافس غيه، وهو منقول لا محالة عنه؟!
غَيْرَ أَنَّ الفَتَى يُلاقِي تمَنَايَا ... كالِحَاتٍ ولا يُلاقِي الهَوَانَا
ولو أَنَّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيًّ ... لَعَدَدْنَا أَضَلَّنا الشُّجْعَانا
وإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ ... فَمِنَ العَجْزِ أَنْ تَكُونَ جَبَانَا
كُلُّ ما لم يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ في الأَنْ ... فُسِ سَهْلٌ فيها إِذا هو كانا
الكلوح: العبوس.
فيقول: غير أن الفتى الموفق لرشده، العالم بحقيقة أمره، يؤثر لقاء المنايا كالحات لشدتها، مؤيسات عن الحياة بمباشرتها، ولا يلاقي الهوان معترفا به، [ولا] يرتضيه مسلما له.
ثم قال: ولو أن الحياة باقية غير فائتة، ومقيمة غير راحلة، لعددنا الشجعان أضلنا عن القصد، وأجهلنا بطريق الرشد، بتعرضهم للمهالك، وتقحمهم في المخاوف.
ثم قال: ولكن إذا كان الموت لا بد منه، والفناء لا محيص لأحد عنه، فمن العجز أن تجبن عما لا ينجيك منه توقعك، ولا يدفعه عنك إشفاقك وتحرزك.
ثم قال مؤكدا لما ذكره من اطراح التوقع لما لا بد من المصير إليه، وإسقاط التكره لما يتيقن الإنسان أنه قادم عليه: كل ما لم يكن من الصعب المستكره في النفوس، والمخوف بالمتوقع في القلوب، سهل فيها إذا وقع أمره، خفيف عليها إذا