عَنَى فلان الشيء: إذا شغله وأهمه، والغصة: شجى يعترض في الحلق، ويضرب بذلك المثل في كل ما شق على الإنسان، والصنيع: ما يصنعه الصانع، وهو فعيل بمعنى مفعول، نحو قتيل وجريح.
فيقول: صحب الناس هذا الزمان قبلنا، وخبروه متقدمين لنا، وكلهم عناهم ما عنانا من أمره، ونالهم كالذي نالنا من اختلاف شأنه.
ثم قال: وتولوا كلهم منه بغصة حادثة، وفارقوه بعد مصائب عارضة، وإن سر أحيانا بعضهم، وساعد في الفلتات رأيهم.
ثم قال: وربما أحسنت الصنيع لياليه، وسرت بظواهرها [صاديه]، ولكنها تكدر الإحسان بإساءتها، وتعقب الحلاوة بمرارتها، وتسلب ما تعطيه مرتجعة له، وتأخذ ما تؤتيه غير ممتعة به.
كُلَّما أَنْبَتَ الزَّمَانُ قَنَاةً ... رَكَّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا
ومُرادُ النُّفوسِ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ ... تَتَعادَى فيه وأَنْ تَتَفانى
يقول: إن من نكد الأيام أنها مجبولة على التنكر لأهلها، والاستحالة على من اغتر بها، وأهلها مع آثارها فيهم، يؤيدون على أنفسهم أمرها، ويمتثلون إلى الإساءة فعلها، فيعينونها على أنفسهم باختلاف مذاهبهم، ويسببون على أنفسهم أسباب المكروه باتصال تكالبهم، فكأنهم لم يقنعوا لأنفسهم بريب الدهر وصروفه، حتى أعانوا ذلك بجهدهم، وأيدوه بمبلغ وسعهم.
ثم قال، مؤكدا لما قدمه: كلما أنبت الزمان للإنسان قناة، يعدها لحربه، ويدخرها