للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واصطنع كافور شبيب بن جرير العقيلي، ورد إليه عمان والبلقاء وما بينهما من البر والجبال، فعلت منزلته، وزادت مرتبته، واشتدت شوكته، وغزا العرب في مشاتيها بالسماوية وغيرها، واجتمعت العرب إليه، وكثرت حواليه، وسولت له نفسه أخذ دمشق، والعصيان لكافور، فسار إليها في عشرة آلاف، وقاتله أهلها وسلطانها، واستأمن إليه جمهور الجند الذين كانوا بها، وغلقت أبوابها، واعتصموا بالنشاب، فترك بعض أصحابه على أبوابها الثلاثة التي تلي المصلى ليشغلهم [بهم]، ودار هو حتى دخل من الحميرين على القنوات، حتى انتهى إلى باب الجابية، وحال بين الوالي والمدينة ليأخذها.

وكان من تقدم أصحابه، فقيل إن امرأة دلت على رأسه صخرة فقتلته. واختلف الناس في أمره، فلم يصح لأحد كيف قتل؛ لأنه لم يوجد في شيء منه أثر لسهم ولا لغيره، ولا نظر أحد إلى شيء أصابه سوى اعتناقه الفرس وسقوطه إلى الأرض، فانهزم أصحابه لما رأوا ذلك، فلما بقي وحده مطروحا أخذ رأسه، ووردت الكتائب إلى مصر بخبره، فقال أبو الطيب، وأنشدها يوم السبت، لست خلون من جمادى الأخيرة من سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة.

عَدُوُّكَ مَذْمُومٌ بِكُلَّ لِسَانِ ... وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ القَمَرَانِ

وَلِلَّهِ سِرٌّ في عُلاكَ وإنما ... كَلاَمُ العِدا ضَرْبٌ مِنَ الهَذَيانِ

القمران: الشمس والقمر، غلب فيهما أخف الاسمين، وهو المذكر فيهما، كما قالوا: العمران في أبي بكر وعمر، فغلبوا الخف، والهذيان: [كلام] لا حقيقة له.

فيقول مخاطبا لكافور: عدوك مذموم بكل لسان يذكره، مبغض في كل قلب يمتثله، ولو كان القمران من أعدائك مع رفعة شأنيهما، وارتفاع مكانيهما، لنالهما أبلغ الذم، وما اعتمد بجميل الذكر، فكيف يظن بغيرهما ممن يقدم على اعدائك، ويتعرض لمخالفة إرادتك؟! ثم قال: ولله في تأييد علاك سر ينفذه على ما سبق في علمه، ويمضيه بالصنع الجميل لك على ما تقدم من حتمه، وكلام الورى فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>