ولا جليس أطلعه عليه، ولا يصل إليه شراب يغلبني عن حفظه، ويخرجني عما أستبصر فيه من كتمه.
ثم قال: وللخوذ مني ساعة ألهو فيها بحسنها، وأعذل إلى مؤانستها ووصلها، ثم أعقب برحلة تفصل بيني وبينها، بفلوات متنائية، وقفارات متباعدة، لا تتكلف مشقتها على سبيل المراجعة، ولا تحمل مئونتها على نية المعاودة، وإنما تقطع إلى فرقة لا يتصل اللقاء بها، ورحلة لا تقرب الأوبة عن المعترض لها.
وما العِشْقُ إِلاَّ غِرَّةٌ وَطَماعَةٌ ... يُعَرَّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصابُ
الغرة: الغفلة، والطماعة والطمع: بمعنى واحد، والفؤاد: القلب، والغواني: الشواب من النساء اللواتي غنين بأزواجهن، والبنان: أصابع اليدين، والرخاخ: رخاخ الشطرنج، واحدها: رخ.
فيقول: وما العشق إلا غرة على غير تبين، وطمع على غير تأمل، يعرض القلب نفسه للحب فيصيبه برمية، ويمكنه منها فيتملكه بحكمه، ولو نظر بعين الحقيقة لما عمي عن رشده، ولو ملك طريق الصواب لما غلب أباطيل الحب على نفسه.
ثم قال: وغير فؤادي للغواني رمية ترشقه بنبال لحظها، وتفتنه ببدائع حسنها، وغير بناني للرخاخ ركاب تألفها، وآلات تستعملها وتصرفها؛ لأني قد شغلت نفسي بالجد فلا أعدل إلى الهزل، وبالحق فلا أعرج على شيء من اللهو.