للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مطالبهم، وأنهج سبل مذاهبهم، إذا خفي عنهم ما يحاولونه، وعمي عليهم ما يقصدونه، وكانوا كمن يهتدي بالنجوم فتستتر عنه، ويعول عليها فتمتنع بالسحاب منه.

ثم قال: إنه غني عن وطنه إذا فارقه بالبلد الذي يصير فيه، وعن مستقره بالموضع الذي يقدم عليه؛ لأنه شريف الخصال، مشهور الحال، فحيث حل فهو جليل القدر، وحيث كان فهو رفيع الذكر، فليس يستخفه مع ذلك رجوع إلى بلد يخرج عنه، ولا يلحقه أسف على موضع ينتقل منه.

ثم قال مشيرا إلى جلادته، ومخبرا عن نفاذه وصرامته: وأستغني عن ذملان العيس في سيرها، ولا أفتقر إليه في حين رحيلها، فإذا سامحت بذلك فإنما أتقبله دون حاجة، وأعدل إليه عن غير ضرورة، ولو تعوقت علي لكان مني في أكوارها عقاب، لا يبعد عليه مكان يقصده، ولا يفتقر إلى الإبل في شيء مما يعتمده. يريد أنه غني عن ركوب الإبل بقوة جسمه، مساجل للعقاب في طيرانها بسرعة سيره.

وَأَصْدَى فَلا لأُبْدِي إلى المَاءِ حَاجَةً ... وَلِلشَّمْسِ فَوْقَ اليَعْمَلاتِ لُعَابُ

وَلِلسَّرَّ مِنَّي مَوْضِعٌ لا يَنَالُهُ ... نَدِيْمٌ ولا يُفْضِي إِليهِ شَرَابُ

وَلِخَوْدِ مِنَّي سَاعَةٌ ثُمَّ بَينَنَا ... فَلاَةٌ إلى غَيْرِ اللَّقاءِ تُجَابُ

الصدى: العطش، واليعملات: النوق المعتملة في السير، الواحدة يعملة، ولعاب الشمس: السراب، والنديم: الشريب، والخود: الجارية الشابة، وتجاب: تقطع.

فيقول: وأعطش في الهواجر الحامية، والقفار البعيدة النائية، فلا أبدي إلى الماء حاجة، ولا أظهر إليه ضرورة، وللشمس فوق اليعملات، بشدة حرها، وتأجج نارها، لعاب من السراب، وما يتخيل منه للأبصار.

ثم قال: وللسر مني، بصيانتي له، وضنانتي به، موضع لا يناله نديم أشركه فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>