للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقضيته؛ لما صرف إليه من همته، وذلك الأمر أنفذ أوامره، لما يستعمل فيه من قوته.

ثم قال: يقود إليه طاعة الناس ما يعترفون به من فضله، ويرتهنها له ما يظهره من إنصافه وعدله، فلو لم يطعه الناس طمعا في جزيل عطائه، لأطاعوه علما منهم بفضله، ولسلموا له رضى من جميعهم بحكمه.

أَيَا أَسَدَاً في جِسْمِهِ رُوحُ ضَيْغَمٍ ... وَكَمْ أسُدٍ أَرْوَاحُهُنَّ كِلابُ

وَيَا آخِذَاً مِنْ دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ ... وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقُّهُ وَيُهَابُ

الأسد: مغروف، والضيغم من صفاته؛ وهو الكثير العض، ويهاب: يعظم.

فيقول لكافور: يا من ظاهره ظاهر الأسد في إقدامه وشدته، وصرامته وقوته، وروحه روح أسد صائل فيما طبع عليه من العزة، وما في جبلته من ارتفاع الهمة، ورب من الملوك في ظاهر هيئتها، وشدة قوتها، وأنفسها أنفس كلاب في رقتها ودناءتها، ولؤمها وجهالتها.

ثم قال يخاطبه: ويا آخذا من الدهر حق نفسه، ومتقدما في إنفاذه غير متأخر، ومثلك يهاب فلا يمطل بحقه، ويتوقع فلا يعارض في إنفاذ أمره.

لَنَا عِنْدَ هذا الدَّهْرِ حَقٌّ يَلُطُّهُ ... وَقَدْ قَلَّ إِعْتَابٌ وَطَالَ عِتَابُ

وَقَدْ تُحْدِثُ الأَيَّامُ عِنْدَكَ شِيْمَةً ... وَتَنْعَمِرُ الأَوْقَاتُ وَهِيَ يَبَابُ

وَلاَ مُلْكَ إِلاَّ أَنْتَ والمُلْكُ فَضْلَةٌ ... كَأَنَّكَ سَيْفٌ فيهِ وَهوَ قِرَابُ

اللط: اللزوق بالشيء، والإعتاب: الإرضاء، والعتاب: السخط والشيمة: والطبيعة، واليباب: القفر الموحش، والقراب: غمد السيف.

فيقول لكافور: لنا عند هذا الدهر حق يلطه ويمسكه، ويستأثر به ويحسبه، وقد قل إعتابه لنا مما نكره، وإعفاؤه إيانا مما نكرهه، وطال عتابنا في ذلك وتسخطنا، وتشكينا منه وتظلمنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>