ثم قال يخاطبه: وقد تحدث الأيام عندك شيمة في الإسعاف مشكورة، وتكتسبه حالا في الإحسان مأمولة، وتنغمر بسعادتك الأوقات بعد إقفارها ووحشتها، وتأنس بعد تباعدها وتغربها. يريد أن الزمان في جنبة كافور يطيب لأهله، ويعود الله فيه على ذوي المطالب بفضله، ويقرب عليهم من الزمان ما بعد، ويلين لهم من اختلافه ما استوعر وخشن.
ثم قال يخاطبه: ولا أملك إلا أنت، والملك فضلة بعدك، يريد: أنه يعظم الملك بنفسه، ويرفع شأنه بجلالة قدره، والملك بعده وآلاته فضول لا يحفل بمثلها، وزيادات لا تدعو حاجة إلى ذكرها، كأنك سيف فيه، وهو قراب يتخذ لصونك، وآلة تستعمل لحفظك، فالملك مضاف إليك، والفضائل فيه مقصورة عليك.
العين القريرة: الساكنة بنظرها إلى ما تستحسن، والشوب: الخلط.
فيقول لكافور: أرى لنفسي باستقرابك لي، وما تظهره من الأنس بي، عينا قريرة بحسن رأيك، مسرورة اعتنائك، وإن كان ذلك الاستقراب مشوبا بالبعد عنك، منغصا بما احرمه منك.
ثم فسر ما ذكره فقال: وهل ينفعني الوصول إلى حضرتك، وارتفاع حجابك لي، بما تظهره لي من خاصتك، إذا كان دون ما أؤمله منك، حجب مانعة، واعترضت لي فيما أسألك إياه عوائق ظاهرة، فما الغبطة ببر لا ثمرة له، وإكرام لا يتصل الإسعاف به؟!