للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأَوْلا المَشَقَّةُ سَادَ كُلُّهُمُ ... الجودُ يُفْقِرُ والإقْدَامُ قَتَّالُ

وإنما يَبْلُغُ الإِنْسَانُ طَاقَتَهُ ... ما كُلُّ مَاشِيَةٍ بالرَّجْلِ شِمْلالُ

الشملال: الناقة القوية السريعة.

فيقول مبينا لصواب ما قدم ذكره من أفعال فاتك: لولا المشقة في إيثار المجد، وكثرة التمون في اكتساب الحمد، لساد الناس كلهم، وأدركوا الشرف بأسرهم، ولكن الجود يورث الإقلال والفقر، والشجاعة توجب التلف والقتل، وهذه الشدائد لا يتكلفها إلا من شرف طبعه، ولا يتحملها إلا من وطن على المكاره نفسه.

ثم أكد ما قدمه، فقال: وإنما يبلغ المرء فيما يقصده مقدار طاقته، ويدرك ما يحاوله على حسب استطاعته، فليس كل كريم يحوز غاية الكرم، ولا كل شريف يبلغ نهاية الشرف، كما أن كل ماشية من النوق برجلها شملال سريعة، وكريمة النجار قوية، وكذلك ليس كل من يتعاطى الكرم من الأمراء، ويوصف بالتقدم والفضل من الرؤساء، يبلغ في ذلك مبلغ فاتك الذي لا يعادل في فضله، ولا يماثل في جلالة قدره.

إِنَّا لَغِي زَمَنٍ تَرْكُ القَبِيحِ بِهِ ... مِنْ كْثَرِ النَّاسِ إِحْسانٌ وإجْمَالُ

ذِكْرُ الفَتَى عُمْرُهُ الثَّاني، وحاجَتُهُ ... ما قاتَهُ، وَفُضولُ العَيْشِ أَشْغَالُ

يقول منبها على غرابة فاتك في دهره، وانفراده بالكرم من أبناء عصره: إنا من إدبار خير الزمان، وزهد أهله في الفضل والإحسان، لفي زمن إمساك أهله عن قبيح الفعل، وتأخرهم عن مذموم السعي، [فضل] يؤثر، وإحسان يحمد ويشكر، فكيف أتفق فيه مثل فاتك، وهو رئيس المحسنين، وزعيم الكرماء المنعمين؟!.

ثم قال، مشيرا إلى ما خلده فاتك من الفضل، وأبقى على نفسه من جميل الذكر، وأن التوفيق في ذلك موصول برأيه، والصواب مقصور على فعله: ذكر الفتى بجميل مساعيه، وما يخلده من مكارمه ومعاليه، عمره الثاني التالي لعمره، وحظه

<<  <  ج: ص:  >  >>