للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استطالته لليل بما يهيج له من الحزن، واستبطائه بحركات نجومه لما يقاسي فيه من الوجد.

إنَّي لأجبُنُ مِن فِراق أَحبَّتي ... وَتُحسُّ نَفسي بالحِمامِ فأشجُعُ

وَيَزَيدُني غَضَبُ الأعَادِي قَسوَةً ... وَيُلمُّ بي عَتبُ الصَّدِيقِ فأجزَعُ

الحمام: الموت، والعتب: الموجدة.

فيقول باسطا لعذره، فيما وصف به نفسه من الجزع، واستحكام الهلع لمصاب فاتك: إني لأجبن من فراق من أحبه؛ إيثارا للوفاء، وأضعف عن تحمل ذلك، مراعاة لأذمة الإخاء، وأحس بالموت فأشجع على مواجهته، وأتيقنه فلا أشفق من مباشرته.

ثم أكد ما قدمه فقال: ويزيدني غضب الأعادي أنفة وقسوة، ويبعث مني إعراضهم حمية وجرأة، ويلم بي عتب الصديق فأجزع، وأسلم لأمره، ويتزيد علي فأرضيه، وأقصر نفسي على حكمه. يشير إلى أن جزعه على فاتك لم يكن عن خور وضعف منة، وإنما كان عن كرم ووفاء جبلة.

تَصفُو الحَيَاةُ لِجَاهِلٍ أو غَافِلٍ ... عَمَّا مَضَى فيها وما يُتَوَقَّعُ

وَلِمَنْ يُغالِطُ في الحَقَائِقِ نَفسَهُ ... وَيَسُومُها طَلَبَ المُحَالِ فَتَطمَعُ

يقول: أن الحياة لا تصفو لمن يلحظ الدنيا بعين المعرفة، ويتأملها تأمل الدراية والتجربة، وإنما تصفو لجاهل لا يعرف عواقبها فيتوقعها، أو غافل لا يمتثل تصاريفها فيتذكرها.

ثم قال على نحو ما قدمه: وتصفو الدنيا لمن يكابر فيها عقله، وتحسن عند من يغالط فيها نفسه، ويسومها المحال فتركن إليه، ويمنيها إياه فتعتمد بأملها عليه.

أينَ الَّذي الهَرمَان مِن بُنيانِهِ ... ما قَومُهُ ما يَومُهُ ما المَصرَعُ؟!

تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصحَابِها ... حِينَاً، ويَدرِكُها الفَنَاءُ فَتتَبعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>